للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينزل عن دابته، ويسوقها أمامه، ويقبل يده، ثم لا يركب حتى يبعد عنه جدًا، ويتوارى عنه بجدار أو نحوه، مع أنه بلغ في العلم الغاية وشرح " المنهاج " وغيره.

وكان المأمون قد وكل الفراء يُلَقِّن ابنيه النحو، فلما كان يومًا أراد الفراء أن ينهض الى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدِّمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، فاصطلحا على أن يقدم كلُّ واحدٍ منهما فردًا، فقدمَّاها، وكان المأمون له على كل شيء صاحبُ خَبَر، فرفع ذلك الخبر إليه، فوجَّه إلى الفراء، فاستدعاه، فلما دخل عليه قال. " من أعزُّ الناس؟ "، قال: " ما أعرف أعز من أمير المؤمنين "، قال: " بل من اذا نهض؛ تقاتل على تقديم نعليه وليَّا عهد المسلمين، حتى رضي كل واحد أن يقَدِّم له فردًا ".

إلى أن قال المأمون: " وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رَفَع من قدرهما , ... فليس يكبر الرجل -وإن كان كبيرًا- عن ثلاث: عن تواضعه لسلطانه، ووالده، ومعلِّمه العلمَ ".

وقال أبو زرعة الرازي: (سمعنا أحمد بن حنبل -وذُكر عنده إبراهيم بن طَهْمان- وكان أحمد متكئًا من علة - فاستوى جالسًا، وقال: " لا ينبغي أن يُذكر الصالحون فنتكئ "، وذكر أبو الوفاء بن عقيل في " الفنون " أنه كان مستندًا، فأزال ظهره، وقال: " لا ينبغي أن يجري ذكر الصالحين ونحن مستندون ").

وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالكرام فلاحُ

* * *

<<  <   >  >>