للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنصاف، لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداءً من المعتزلة -وهم فضلاء عقلاء- احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذلك: منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل، وخير الأمور أوساطها. وهذا ليس مخصوصًا بهؤلاء، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: ١٠] (١) اهـ.

وقال أيضًا في حقهم: (ولهم حسنات وفضائل وسعي مشكور، وخطؤهم بعد الاجتهاد مغفور) اهـ (٢).

وإذا راجعنا المواقف العملية لشيخ الإسلام ابن تيمية مع مخالفيه من أهل القبلة ندرك كيف جمع رحمه الله بين تعظيم الحق، ورحمة الخلق:

فقد كان شيخ الإسلام رحمه الله كثيرًا ما يثني على الإمام تقي الدين السبكي، قال ابنه رحمهما الله: (وكان -أي ابن تيمية- لا يعظم أحدًا من أهل العصر كتعظيمه له) (٣)، وذكر في ترجمة علاء الدين الباجي علي بن محمد بن عبد الرحمن -وكان أشعريًّا - أنه: (لما رآه ابن تيمية عظمه، ولم يجر بين يديه


(١) " درء التعارض " (٢/ ١٠٢ - ١٠٣)، وانظره أيضًا (٨/ ٢٧٥)، و " مجموع الفتاوى " (٤/ ١٢ - ١٣)، (٥٥٧/ ٥ - ٥٥٨)، (٩٩/ ١٣).
(٢) انظر: " النبوات " ص (٢٢٠).
(٣) " طبقات الشافعية " (١٠/ ١٩٤).

<<  <   >  >>