للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويناظر عنه) (١) اهـ.

وأسند البخاري في كتاب الشروط من " صحيحه " قصة الحديبية ومسيرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها، وفيها:

(وسار النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلتُه، فقال الناس: " حَلْ حَلْ " (٢)، فألَحَّت (٣)، فقالوا: " خلأت (٤) القصواء "، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل " إلخ الحديث.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فقه هذا الحديث: (جواز الحكم على الشيء بما عُرف من عادته، وإن جاز أن يطرأ غيره، فإذا وقع من شخص هفوة لا يُعهد منه مِثلُها، لا يُنسب إليها، ويُرد على من نسبه إليها، ومعذرة من نسبه إليها ممن لا يعرف صورة حاله؛ لأن خلأ القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة صحيحًا، ولم يعاتبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك لعذرهم في ظنهم) (٥) اهـ.

قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله: (فقد أعذر النبي - صلى الله عليه وسلم - غير المكلَّف من الدواب باستصحاب الأصل، ومن قياس الأولى إذا رأينا عالمًا عاملاً، ثم وقعت منه هِنة أو هفوة، فهو أولى بالإعذار، وعدم نِسبته إليها والتشنيع عليه بها- استصحابًا للأصل، وغمر ما بدر منه في بحر علمه وفضله، وإلا كان المعنِّف قاطعًا للطريق رِدءًا للنفس اللوامة، وسببًا في حرمان العالَم من علمه، وقد نُهينا أن يكون أحدُنا عونًا للشيطان على أخيه) (٦) اهـ.


(١) " مدارج السالكين " (٣/ ٥٢١).
(٢) حل حل: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير، يقال: " حلحلت فلانًا ": إذا أزحته عن موضعه.
(٣) ألَّحت: تمادت على عدم القيام، وهو من الإلحاح.
(٤) الخلاء للإبل، والحران للخيل، والقصواء: اسم ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(٥) " فتح الباري " (٥/ ٣٣٥).
(٦) " تصنيف الناس " ص (٨٠ - ٨١).

<<  <   >  >>