للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر عن إبراهيم بن أدهم أنه دُعي إلى طعام، فلما جلس؛ قالوا: " إن فلانًا لم يجيء "، فقال رجل منهم: " إن فلانًا رجل ثقيل "، فقال إبراهيم: " إنما فعل هذا بي بطني حين شهدت طعامًا اغتبت فيه مسلمًا "، فخرج، ولم يأكل ثلاثة أيام (١).

إن غيبة المسلم ظلم وتعدّ لحدود الله عز وجل، وقد قال تعالى: (وَمَن {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} (٢) [البقرة: ٢٢٩]، ومحاصرةً لهؤلاء الظالمين؛ نهت الشريعة عن الركون إليهم: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: ١١٣] وعن معاشرتهم ومساكنتهم والقعود معهم: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٦٨].

قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: (إذا حضرت أمرًا ليس بطاعة الله، ولا تقدر أن تنهى عنه فتنح عنهم، واتركهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يمنعن رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحق إِذا علمه، أو شهده، أو سمعه " (٣)) (٤) اهـ.

وغيبة المسلم من اللغو القبيح الذي يتنزه المؤمنون عن حضور مجالسه


(١) راجع حاشية رقم (١) ص (٧٦).
(٢) فاحذر أيها المكلف أولئك " اللحميين " الذين يستنكفون عن قبول النصيحة لهم بترك الغيبة، وينتحلون المعاذير ليسوغوا أكل لحوم الناس، ويتسترون وراء ترخيص الشريعة في ذكر مساويء بعض الناس في حالات خاصة، وما بالقوم حاجة إلى الرخصة، وإنما هم يستوحشون ممن لا يشاركهم، وينكر عليهم، فيحرصون على إزالة تلك الوحشة بمحاولة تسويغ الغيبة كي يونسهم بموافقتهم ومشاركتهم، وأولئك من " الظالمين " الذين سمى الله؛ فاحذرهم.
(٣) رواه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الإمام أحمد (٣/ ٨٤)، والترمذي رقم (٢١٩١)، وابن ماجه (٤٠٠٧)، وابن حبان في " صحيحه " رقم (٢٧٨)، والبيهقي في " السنن " (١٠/ ٩٠)، وصححه الألباني في " الصحيحة " رقم (١٦٨).
(٤) انظر: " المدخل " لابن الحاج (٢/ ٣١٣).

<<  <   >  >>