وبينت الآية التدرج في اشتداد الظلام في البحار العميقة باستعمال فعل من أفعال المقاربة وهو (كاد) وجعلته منفيا. قال تعالى: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها.
فدل هذا الاستعمال الدقيق على معنيين:
الأول: أن الذي يخرج يده في هذه الأعماق ليراها لا يراها إلا بصعوبة بالغة كما فهم ذلك بعض المفسرين، ومنهم المبرد والطبري.
الثاني: أن الذي يخرج يده في هذه الأعماق ليراها لا يراها البتة، لأن فعل المقاربة كاد جاء منفيا، فإذا نفيت مقاربة الرؤية دلت على تمام نفي الرؤية، وهذا ما ذهب إليه بعض المفسرين، أمثال الزجّاج وأبو عبيده والفرّاء والنيسابوري.
والآية استعملت تعبيرا يدل على المعنيين معا، فتكون الرؤية بصعوبة في الأعماق القريبة، وتنتفي الرؤية تماما في الأعماق البعيدة، على عمق ١٠٠٠ متر تقريبا كما مر بنا.
فتأمل كيف جاء التعبير القرآني الموجز دالا على المعاني الصحيحة المتعددة.
[وجه الإعجاز:]
لقد ذكر القرآن الكريم معلومات دقيقة عن وجود ظلمات في البحار العميقة وأشار إلى سبب تكوينها، ووصفها بأن بعضها فوق بعض، ولم يتمكن الإنسان من معرفة هذه الظلمات إلا بعد عام ١٩٣٠ م. وأخبر القرآن عن وجود موج داخلي في البحار لم يعرفه الإنسان إلا بعد عام ١٩٠٠ م، كما أخبر بأن هذا الموج الداخلي يغطي البحر العميق، الأمر الذي لم يعرف إلا بعد صناعة الغواصات بعد الثلاثينيات من القرن العشرين، كما أخبر القرآن عن دور الموج السطحي،