ولو كان لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم تصرف في القرآن لحجب آيات العتاب الإلهي له في بعض اجتهاداته صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة هذا العتاب: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن لبعض الناس في التخلف عن الجهاد نظرا لما أبدوه من أعذار، فعاتبه الله سبحانه على ذلك مبينا له أن بعض الذين استأذنوه كانوا غير صادقين، فلم يكن ينبغي أن يأذن لهم. قال تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣)[التوبة: ٤٣] .
وقد عاتبه- سبحانه- عند قبوله الفداء في أسارى بدر مبينا له أنه ما كان ينبغي له قبول الفداء منهم والإسلام مازال في حالة ضعف. قال سبحانه ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)[الأنفال: ٦٧] ، وعاتبه ربه سبحانه عند إعراضه عن عبد الله بن أمّ مكتوم الأعمى لما جاءه ليتعلم منه، لكونه منشغلا بدعوة بعض رؤساء قريش، قال سبحانه عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤)[عبس: ١- ٤] .
وعاتبه ربه سبحانه عند تحريمه العسل على نفسه- كما مر معنا «١» - قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١)[التحريم: ١] .
ولو كان القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما سجّل على نفسه هذا العتاب، يتلوه الناس بل ويتقربون إلى الله بتلاوته حتى يوم المآب.
(١) انظر موضوع الإخبار بالغيب في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.