للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا مع ما بذله حملة الحديث رحمهم الله من جهود عظيمة لجمع الحديث النبوي وتصنيفه وتأليفه، وحفظه عن ظهر قلب، فقد كانوا يسافرون المسافات الطويلة ويتحملون مشاق السفر والاغتراب لجمع الحديث النبوي، والبحث عن الأسانيد العالية «١» ولقاء أكابر العلماء ويبذلون في ذلك أموالهم وأوقاتهم وجهودهم رخيصة في سبيل جمعه، ويسافر أحدهم الليالي والأيام لطلب الحديث الواحد «٢» ويقيمون المجالس العلمية لسماع الحديث النبوي وإملائه واختبار حفاظه، وإقامة المدارس لمدارسته وتعليمه للأبناء، مع ما يبذلون من جهود في تدوينه وترتيبه وتبويبه والفحص عن العلل التي قد تكون في إسناده أو متنه، والتحري في ألفاظه وجمع رواياته، والبحث في أحوال رواته وسيرتهم للتوثق من صحة ما ينقلونه من الحديث، حتى وجد في الأمة من يحفظ عشرات الآلاف من الأحاديث بأسانيدها عن ظهر قلب، وكل ذلك يعملونه بنفوس راضية مطمئنة مستبشرة بما تناله من الأجر من الله سبحانه على ذلك، لأنه يشكّل بالنسبة لهم دينهم الذي تقوم عليه سعادتهم في الدنيا والآخرة، ممتثلين أمر ربهم عز وجل القائل سبحانه: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧] .

[منهج نقد الرواية:]

ولما ظهر بعد جيل الصحابة بعض من لا يوثق بروايته، قيض الله أئمة الحديث والجرح والتعديل الذين شيدوا علم الرجال والتاريخ والجرح والتعديل، الذي ضم آلاف الرواة مبينا حال كل راو من حيث أنه معروف أو مجهول، ومن حيث مدى


(١) الإسناد العالي هو الأقرب صلة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
(٢) فقد رحل جابر بن عبد الله رضي الله عنه شهرا لطلب حديث واحد، كما ذكره البخاري في صحيحه ك/ العلم ب/ الخروج في طلب العلم. ورحل أحد التابعين من المدينة إلى دمشق للقاء أبي ذر لسماع حديث نبوي واحد، كما أخرجه ابن ماجة في المقدمة ب/ فضل العلماء والحث على طلب العلم.

<<  <   >  >>