للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمشى النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه، فقالت الأنصار: يا نبيّ الله إنّه قد صار مثل الكلب الكلب «١» وإنّا نخاف عليك صولته، فقال: ليس عليّ منه بأس، فلمّا نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتّى خرّ ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذلّ ما كانت قطّ حتّى أدخله في العمل، فقال له أصحابه:

يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك، ونحن نعقل، فنحن أحقّ أن نسجد لك، فقال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها «٢» .

قال أبو نعيم في ما تضمنته هذه الحادثة وأمثالها: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعطي علما بمنطق هذه البهائم، فذلك له آية كما كان لسليمان عليه السّلام آية بعلم منطق الطير، أو أنه علم ذلك بالوحي، وأيّ ذلك كان ففيه أعجوبة وآية معجزة «٣» .

[[٤] تأدب الوحش معه صلى الله عليه وسلم:]

قالت عائشة رضي الله عنها: كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش «٤» فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتدّ وأقبل وأدبر، فإذا أحسّ برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض فلم يترمرم «٥»


(١) الكلب الكلب: الذي أصابه داء الكلب، وهو مرض معد ينتقل فيروسه في اللعاب بالعض من الفصيلة الكلبية إلى الإنسان وغيره.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ١٥٨ وجوّد إسناده المنذري في الترغيب والترهيب ٣/ ٣٥ قال ابن كثير في البداية والنهاية ٦/ ١٤٢: هذا إسناد جيد، وقد روى النسائي بعضه. وأخرجه المقدسي في الأحاديث المختارة ٥/ ٢٦٦ وحسن إسناده قال في مجمع الزوائد ٩/ ٤: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخي أنس وهو ثقة وذكر له الحافظ ابن كثير شواهد في البداية والنهاية ٦/ ١٤٢ وما بعدها، والهيثمي في المجمع ٩/ ٤ وما بعدها. وذكر نحوه الذهبي في تاريخ الإسلام ص ٣٤٨ من السيرة النبوية، وفيه: ما سجد لي، ولكن سخره الله لي، وانظر تحقيق المسند ٢٠/ ٦٥- ٦٦.
(٣) دلائل النبوة ٢/ ٤٩٩.
(٤) الوحش: حيوان البر الوحشي مثل حمار الوحش وبقر الوحش.
(٥) يترمرم: أي سكن ولم يتحرك.

<<  <   >  >>