وأما بعد بعثته صلى الله عليه وسلم، فقد شاهدنا سرعة إقبال أهل المدينة على الإسلام يحثهم على ذلك ما كانوا يسمعونه من اليهود عن مقدمه، وما كانوا يستفتحون به على أعدائهم كما بينا، بينما كان أهل مكة يصدون عنه ويحاربونه.
وكان عبد الله بن سلام ممن أسلم أيضا على هذه البشارات وهو أعلم أحبار اليهود القاطنين في المدينة المنورة باعتراف اليهود أنفسهم، وهو ممن قال الله تعالى فيه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)[الأحقاف: ١٠] ، وكان عبد الله بن سلام قد بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيّ: ما أول أشراط الساعة؟، وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو أمه؟، قال: أخبرني به جبريل آنفا. فقال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة. قال:«أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب.
وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت. وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد» ، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، فاسألهم عنى قبل أن يعلموا باسلامي. فجاءت اليهود؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟» قالوا خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟» قالوا: أعاذه الله من ذلك، فأعاد عليهم، فقالوا مثل