ومن ثمّ تناقلت أمم الأرض عن طريق الأحبار والرهبان والكهان خبر النبي الخاتم الذي بشّرت به النبوات السابقة، ولما انقطعت الرسالة بعد عيسى عليه السّلام فترة من الزمن «١» ، زاد تلهف أمم الأرض إلى النّبيّ الخاتم، وكان عيسى عليه السّلام هو آخر من بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء كما قال تعالى عنه في خطابه لبني إسرائيل:
يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: ٦] وبدأ أهل الكتب وغيرهم كالهندوس والمجوس يتوقعون قرب ظهوره بناء على ما يجدونه في كتبهم وأخبار أنبيائهم من الوعد بمقدمه والإخبار بزمان ظهوره ومكانه.
وقد سجّل التاريخ في هذه الفترة مقدمات وحوادث تدل على قرب مقدمه وظهوره صلى الله عليه وسلم، منها ما كان قبل مولده، ومنها ما كان عند مولده، ومنها ما كان قبل بعثته.
فأمّا ما كان قبل مولده فمنه تناقل الأحبار والرهبان لذكر النبي الخاتم، بل كان اليهود في بلاد العرب عندما يقاتلون قبيلة من العرب يخوفونهم بقرب مبعث نبي يقاتلونهم معه فكانوا يقولون سيبعث نبي آخر الزمان نقتلكم به قتل عاد وإرم وكانوا يدعون بين يدي قتالهم مع العرب بقولهم:" اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان". فلما ظهر النّبيّ من غير بني إسرائيل كفروا به كما قال تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩)[البقرة: ٨٩] .
ومن الإرهاصات على قرب مقدم النّبيّ أن الراهب" عيصا" الذي ترك بلاد
(١) الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام تقدر بستمائة عام، قال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ [المائدة: ١٩] .