[٢] ذكر بعض المفسرين أن الفرث هو مصدر الدم واللبن أي يخرج الدم من الفرث ويخرج اللبن من الفرث كذلك. قال بهذا البيضاوي عندما أوّل الكلام المنسوب لابن عباس بقوله: إن صح فالمراد أن أوسطه يكون مادة اللبن وأعلاه مادة الدم؛ لانهما لا يتكونان في الكرش وقال به الشوكاني في (فتح القدير) .
[٣] وذكر كثير من المفسرين ما يتفق مع جاء به العلم الحديث من أن مكونات اللبن تستخلص من الفرث ثم تستخلص من الدم. وممن قال بذلك القرطبي وأبو السعود وصاحب معاني القرآن، وفي زاد المسير لابن الجوزي في قوله: " الفرث ما في الكرش والمعنى أن اللبن كان طعاما فخلص من ذلك الطعام دم وبقي فرث في الكرش وخلص من ذلك الدم لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ.
وهكذا نلاحظ اختلاف المفسرين في هذه المسألة بسبب عدم توافر المعرفة العلمية في زمانهم، ومع ذلك فقد هدى الله تعالى بعض المفسرين إلى الفهم الصحيح لمعنى مِنْ بَيْنِ وأنها تعنى من بعض الفرث، ثم من بعض الدم، على الرغم من عدم معرفتهم للكيفية التي لم يطلع عليها البشر إلا بعد قرون من نزول هذه الآية الكريمة.
[٤] أن لفظ خالِصاً في الآية دليل آخر على أن مواد اللبن تخلص من بين الدم بعد أن خلصت من الفرث، وقد ألمح إلى هذا المعنى الطبري بقوله:
خلص من مخالطة الدم والفرث فلم يختلطا به.
إلا أن المفسرين- رحمهم الله- لم يشيروا إلى هذا المعنى الظاهر وإنما اقتصروا على القول بأن خالِصاً تعنى أن اللبن لا يستصحب لون الدم ولا رائحة الفرث كما قاله البيضاوي والبغوي؛ أو حمرة الدم وقذارة الفرث كما قاله القرطبي والشوكاني؛ أو خالصا عن شائبة ما في الدم والفرث من الأوصاف كما قاله أبو السعود وصاحبا تفسير الجلالين.