للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤) [البقرة: ٢٣- ٢٤] .

ولو كان القرآن من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما جزم بعدم استطاعة أحد أن يأتي بمثله، وتحقق هذا الجزم بعد ذلك دليل على أن القرآن كلام الله المعجز.

وكان بإمكانهم أن يكذبوا القرآن لو استجابوا للتحدي وأتوا بسورة مثل القرآن.

ولمّا رأينا أنهم تركوا الاستجابة للتحدي مع أنه أمر لا يكلفهم كثيرا من التبعات واختاروا الطريق الوعر لمواجهة الرسول وهو الحرب وإزهاق الأنفس وإهدار الأموال علمنا علما يقينيا عجزهم عن الإتيان بمثله مع كونهم أساطين الفصاحة والبلاغة.

ولو قدّرنا أن رجلا ألف كتابا، أو قال شعرا ثم تحدى الكتاب والشعراء، فقال: عارضوني وإن لم تعارضوني فأنتم كفار مأواكم النار، ودماؤكم لي حلال!! فمن المستحيل أن يحجم الجميع عن معارضته لإنقاذ أنفسهم من القتل، ولدفع وعيده لهم بدخول النار، فإذا لم يعارضوه رغم توافر الدواعي لمعارضته كان ذلك من أبلغ العجائب الخارقة للعادة الدالة على صدقه في تحديه «١» .

وهذه البينة (المعجزة) قائمة دائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها «٢» .


(١) انظر الجواب الصحيح لابن تيمية ٥/ ٤٣٠.
(٢) قال بعض الناس (يحكى ذلك عن النظام من المعتزلة وآخرين) : إن وجه الإعجاز في القرآن، هو أن الله صرف همم الكفار عن معارضته، لا لأن نظمه معجز في ذاته، بمعنى أنهم كانوا يقدرون على الإتيان بمثل نظمه لولا أن الله صرف هممهم عن ذلك، وهذا القول غير صحيح لأسباب: أولا: أنه مصادم للنص القرآني الذي يبين أن الخلق لا يستطيعون الإتيان بمثله ولو تعاونوا على ذلك، فيلزم القائلين بالصرفة، أن الخلق يستطيعون الإتيان بمثله لولا أن الله صرفهم عن ذلك. ثانيا: أنه قول لا برهان له ولا دليل عليه، لا من النص ولا من الواقع فلم يشعروا أنهم فقدوا قدرتهم على البلاغة. ثالثا: أنه مخالف لإجماع العلماء قبله على أن القرآن معجز في ذاته.

<<  <   >  >>