آلامه إذا نزل إلى الأمعاء- والطريقة الوحيدة للإحساس بألم الحميم هو أن تقطع هذه الأمعاء وينزل منها الماء الحميم إلى الأحشاء الغنية بالنهايات العصبية الحساسة للحرارة والتي تشعر بالآلام الشديدة للماء الحار إذا وصل إليها وكأنه طعن الخناجر.
فرأينا الوصف القرآني للإحساس بالعذاب يتقرر بتقطيع الأمعاء، ولو أخبرت الآية بأن الأمعاء تبدل إذا نضجت كالجلود لقال الكافرون تبديل الأمعاء يتضمن وجود أغشية مخاطية في باطن الأمعاء يحول دون الإحساس بحر الحميم، لكن الآية كشفت أن عذاب الحميم يكون بتقطيع الأمعاء لا بتبديلها، وكذلك لو أخبرت الآية بأن الجلود تقطع إذا تعرضت للنار فإن الآلام ستتلاشى بوصولها إلى اللحم.
لكن الوصف لكيفية العذاب في الجلود وفي الأمعاء جاء من قبل الذي يعلم السر في تركيب الجلد والأمعاء، فليبقى العذاب في الجلد أخبر المولى بأنه يبدله، وليبقى العذاب في الأمعاء أخبر المولى بأنه يقطعها ليصل الحميم إلى النهايات العصبية الحساسة في الاحشاء، ويتأكد لنا بذلك مرة ثانية صدق الوصف ودقته كما يتأكد صدق الخبر الذي قيل قبل ١٤٠٠ عام، يوم لم يكن أحد يعلم شيئا عن تشريح الجلد أو الأمعاء «١» .
(١) فلو قالت الآية: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ فقط لقال الكافرون: أمنا من العذاب لأن الجلود التي نضجت لا تتألم ولأن اللحم الذي تحت الجلود ليس فيه نهايات عصبية حساسة لآلام الحرارة وبهذا يبقى الإنسان في النار بغير ألم. ولو قال القرآن: «فسقوا ماء حميما فبدلناهم أمعاء غير أمعائهم» لقال الكافرون لقد نجونا بهذا من الألم لأن الأمعاء تحتوي على غشاء مخاطي يحول دون الإحساس بالام الحرارة، وتبديل الأمعاء بأمعاء جديدة يتضمن وجود غشاء مخاطي جديد غير حساس للحرارة فلا يتألم الكافر بأي شيء من العذاب لا بعذاب الجلد ولا بعذاب الأمعاء لكنه الوحي من الذي يعلم السر في خلقه وهو الشهيد على كل شيء سبحانه جاءنا بالأوصاف المناسبة لتحقيق استمرار العذاب للكافرين.