للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ أي أن البحرين مختلطان، وهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب في منطقة الالتقاء، كما تدل اللغة على ذلك بلفظ مرج، وهذا ما كشفه العلم من وصف لحال البرزخ الذي يكون متعرجا ومتنقلا في الفصول المختلفة بسبب المد والجزر والرياح.

ومن يسمع هذه الآية فقط، يتصور أن امتزاجا واختلاطا كبيرا يحدث بين هذه البحار يفقدها خصائصها المميزة لها، ولكن العليم الخبير يقرر في الآية بعدها: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) أي ومع حالة الاختلاط والاضطراب هذه التي توجد في البحار، فإن حاجزا يحجز بينهما يمنع كلّا منهما أن يطغى ويتجاوز حده.

وهذا ما شاهده الإنسان بعد ما تقدم في علومه وأجهزته، فقد وجد ماء ثالثا حاجزا بين البحرين يختلف في خصائصه عن خصائص كل منهما.

ومع وجود البرزخ فإن ماء البحرين المتجاورين يختلط ببطء شديد، ولكن دون أن يبغي أحد البحرين على الآخر بخصائصه؛ لأن البرزخ منطقة تقلب فيها المياه العابرة من بحر إلى آخر لتكتسب المياه المنتقلة بالتدريج صفات البحر الذي ستدخل إليه، وتفقد صفات البحر الذي جاءت منه وبهذا لا يبغي بحر على بحر آخر بخصائصه، مع أنهما يختلطان أثناء اللقاء، وصدق الله القائل: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) [الرحمن: ١٩- ٢٠] .

ولقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الحاجز الذي يفصل بين البحرين المذكورين هو حاجز من قدرة الله لا يرى «١» .

وقد أشكل على بعض المفسرين الجمع بين اختلاط مياه البحار مع وجود البرزخ؛ إذ أن وجود البرزخ (الحاجز) يقتضي منع الاختلاط، وذكر الاختلاط


(١) منهم: ابن الجوزي، الزمخشري، وأبو حيان، والقاسمي، والخازن، والنسفي.

<<  <   >  >>