للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فحينًا، تارة بنسبته إلى السِّحر والكَهانة، وأخرى إلى الشِّعر وأساطير الأولين، ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٦٩]، ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨].

والمراد من أخباره: ما فيه من الوعد للمصدِّقين والوعيد للمنكرين آجلًا وعاجلًا، وهذا منهم غاية العصيان ونهاية التَّمادي في الطُّغيان، حيث أعرضوا عمَّا هو آية بيِّنة أوِّلًا، وكذَّبوه ثانيًا، وسخروا به ثالثًا، فمنَّ عليهم الرَّحمن بزيادة فضله وإحسانه (١) إذ أخَّرهم إلى حين، ولم يعجِّل لهم بالعذاب المهين، شدَّد عليهم النَّكير وهدَّدهم (٢)، ثم جاءهم بالموعظة والتَّذكير بقوله (٣):

(٦) - ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾.

﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ ﴿كَمْ﴾ مفعول ﴿أَهْلَكْنَا﴾، و ﴿مِنْ﴾ تبيين لإبهامها؛ أي: كثيرًا من القرون أهلكنا، وكلُّ أهل عصرٍ قرنٌ لمن بعدهم؛ لأنهم يتقدمونهم، مأخوذ من قرن الشَّمس، وهو أعلاها، وأوَّل ما يبدو منها.

وقال الزجَّاج: عندي القرن هو أهل كلِّ مدَّة (٤) كان فيها نبيٌّ أو طبقة من العلماء، قلَّتِ السنون أو كثرَتْ، والتَّقدير يردُّه (٥) قوله : "خيركم قرني "؛ يعني


(١) في (م) و (ك): "ومن الرحمن زيادة فضل وإحسان ".
(٢) في (ف) و (ك) و (م): "هدد لهم "، والمثبت من (ف).
(٣) "بقوله "من (ك) و (م).
(٤) في (ك): "ملة".
(٥) قوله: "والتقدير يرده "، جاء بدلا منه في "معاني القرآن" للزجاج: "والدليل على هذا"، والمؤدى واحد، وهو نفي التقدير في مقدار القرن.