للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنَّما صدَّره بالواو الدَّالة على الاستقلال دون الفاء؛ لأن المقام مقام تعداد (١) النِّعم العِظام، وفي ضمنه الإشارة إلى أنَّ الأنهار إمدادها (٢) لا يلزم أن يكون من الأمطار، فافهم هذا الاعتبار.

﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ﴾ خصَّ هذا الوصف بالذِّكر لأنَّه مما يتعاظمه النَّاس، ألا ترى إلى قول فرعون: ﴿وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: ٥١].

﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ الفاء فصيحة تفصح عن محذوفٍ تقديره: بطرَتْ معيشتُهم، كما ورد في قوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾ [القصص: ٥٨].

﴿وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ تحقيق لأمر الوعيد بتسهيل شأن الإهلاك، فإنَّ مَن قدر على إنشاء القرون لا يتعاظم عنده إهلاك (٣) بعضهم بذنوبهم.

وفي عبارة الإنشاء إشارة إلى أنهم قُلعوا من أصلهم واستؤصلوا فلم يبقَ أحد من نسلهم، ويعضد ذلك ما رواه ابن مسعود عن النبي أنه قال: "إن الله تعالى لم يهلك قومًا أو يعذِّب قومًا فجعل لهم نسلًا" (٤).

﴿قَرْنًا آخَرِينَ﴾ يَعْمُر بهم (٥) بلادهم.

وحاصل الوعيد: أنَّه تعالى كما قدر (٦) أن يهلك مَن قبلهم كعاد وثمود وينشئ مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده قدر أن يفعل مثل ذلك بكم، قيل: جماعة من قريش


(١) في (ك): "تقدير".
(٢) في (م) و (ك): "إيرادها ".
(٣) في (ج) و (ف): "هلاك ".
(٤) رواه مسلم (٢٦٦٣).
(٥) في (م) و (ك): "به ".
(٦) في (م) و (ك): "يقدر".