للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فكان في عبارة ﴿ثُمَّ﴾ تمهيد لهذا، وتكريرُ ﴿مِنْ بَعْدِهَا﴾ مع ﴿إِنَّ﴾ واللامِ مبالغةٌ في شمول غفرانه وسعة رحمته، عظمت جريمتُهم أولًا ثم عقَّبها بتعظيم مغفرته ورحمته تعظيمًا لا كتعظيمها بل أزيدُ وأزيد ليعلم (١) أن الذنوب وإنْ جلَّت فإنَّ عفوه وغفرانه (٢) وكرمَه وإحسانه إذا تاب صاحبُها وأخلصَ أجلُّ وأعظم، وفيه تحريض على التوبة وحث على الإخلاص.

* * *

(١٥٤) - ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾.

﴿وَلَمَّا سَكَتَ﴾ ضمَّنه معنى زال فعدِّي بـ (عن)؛ أي: زال ﴿عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ﴾ ساكتًا، وهو كلام في غاية البلاغة؛ لأن فيه تشبيهَ الغضب بشخصٍ كان يغريه (٣) على ما فعل، ويقول له: قل لقومك كذا، وألقِ الألواح، وخُذ برأس أخيك، على طريقة الاستعارة بالكناية، فكونُ السكوت على حقيقته غيرَ مَجازٍ عن السكوت أبلغُ، أو طريقةِ الاستعارةِ التمثيلية على تشبيه الحال بسكوت الغضب بحال السكوت الناطق الآمر الناهي، وشرطُها أن يكون أجزاء الكلام على معانيها الأصلية.

وقال الزجَّاج: مصدر سَكَت الغضب: سَكْتًا، ومصدر سَكَت الرجل: سكوتًا (٤).


(١) في (ف): "بل أزيد وليعلم".
(٢) "وغفرانه" من (م).
(٣) في (ك): "يقربه".
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٢/ ٣٧٩)، و"البحر" (١٠/ ٣٣١). وما جاء في النسخ من قوله: " … سَكْتًا … سكوتًا" بالنصب الصواب فيه الرفع على الخبرية، وهكذا جاء في "البحر" بالرفع.