للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم إنه لم يقتصِر على الحثِّ على النظر في الملكوت، بل نبَّه على أن كلَّ فردٍ من الموجودات محلٌّ للنظر والاعتبار والاستدلال على وجود الصانع ووحدانيَّته، كما قيل:

وفي كلّ شيءٍ له آيةٌ … تدلُّ على أنه واحدُ (١)

فقال: ﴿وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾: وفيما خلق الله تعالى من كلِّ ما يقع عليه اسم الشيء مما لا يمكن حصرُه؛ ليدلَّهم على كمال قدرة صانعها ووحدةِ فاطرها، وعِظَم شأن مالكها ومدبِّرها، فيعلمون صحةَ ما يدعوهم إليه، وفي إمكان اقتراب أجلهم - فعلَّهم (٢) يموتون عن قريبٍ - فيسارعون إلى النظر فيما يهديهم إلى الحق، ويبادرون من العمل إلى ما ينجيهم من العذاب قبل مغافَصة (٣) الأجل وحلول العقاب، على ما ذكره بقوله:

﴿وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ﴾ عطف على ﴿مَلَكُوتِ﴾، و (أنْ) مخفَّفة من الثقيلة، أصله: أنه، والضمير فيها وفي ﴿يَكُونَ﴾ ضمير الشأن والحديثِ؛ أي: وفي أنَّ الشأنَ عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، ولا يجوز أن تكون مصدريةً؛ لأنهم نصُّوا أنها تُوصَل بفعلٍ متصرِّفٍ، و (عسى) فعل جامدٌ فلا يجوز أن يكون صلةً لـ (أنْ).

ويجوز أن يراد باقتراب الأجل اقترابُ الساعة.

﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ﴾؛ أي: بعد القرآن.

﴿يُؤْمِنُونَ﴾ متعلِّق بـ ﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ﴾؛ أي: لعل أجلهم قد اقترب فما بالُهم


(١) البيت لأبي العتاهية، وهو في "ديوانه" (ص: ١٠٤).
(٢) في (ك): "فلعلهم".
(٣) من غافصه: فاجأه، وأخذه على حين غرة. انظر: "القاموس" (مادة: غفص).