للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: في أبي سفيان، استأجر ليومِ أُحِدٍ ألفين من الأحابيش، سوى مَن استجاشَ (١) من العرب، وأنفق عليهم أربعين أوقيَّة (٢).

وقيل: في أصحاب العير؛ فإنَّه لَمَّا أُصيْبَ قريش ببدرٍ قالوا لكلِّ مَنْ له تجارة في العير: أعينوا بهذا المال على حربِ محمَّد؛ لعلنا ندرك منه ثأرنا، ففعلوا (٣).

﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا﴾ فائدة تكرارِ ذكر الإنفاق: أنَّ مساقَ الأوَّل لبيانِ الغرضِ منه، والثَّاني لبيان عاقبته ومآل أمره، وأنَّ غرضَهم لا يحصل منه ويُعْقِب الخيبة.

هذا ما قالوا، ويأباه زيادة السين في الثاني، وترتيبه بالفاء على الأوَّل، وكذا يأبى هذا الأخير حملُ الأوَّل على ما كان في يوم بدر، والثاني على ما كانوا في يوم أحد، فالوجه أنْ يُحمَل الأوَّلُ على عزمهم على الإنفاق، والثاني على وقوعه عن قريب متفرِّعاً على ذلك العزم.

﴿ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ لاستلزام إنفاقهم الأموال ندامةً، وسرعةِ انقلابه إليها كأن ذاتها تصير ندامةً مبالغةً.

والحسرة: غمٌّ بما انكشف من فوتِ استدراك الخطيئة، وذكر الغمِّ يسمَّى ندامةً، وأصلها الكشف، من قولهم: حَسَر عن ذراعيه، والحاسر ضد الدَّارع.

﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾: ثم لا يبقى حالهم على النَّدم والحسرة لفَقْد الأموال وفقدان الغرض، حتى يصير آخر الأمر إلى المغلوبية التي هي ضد الحالة التي قصدوها،


(١) في (ف) و (م). "اجتاش".
(٢) انظر: "تفسير الطبري" (١١/ ١٧٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٦٧٩).
(٣) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٦٠)، و"تفسير الطبري" (١١/ ١٧٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٦٩٨).