ومن بلاغة القرآن وبديعِ نَظْمه: أنه إذا كان القول في تعداد الذَّنب بدأ في ترتيبه من الجهة التي هي عن المذنب، كما في المثالَيْن المذكورين؛ ليكون هذا أشدَّ تقريرًا للذَّنب عليهم، وإذا كان في تعداد نِعَمه تعالى بدأ في ترتيبه بالجهة التي هي عنه تعالى، كما في قوله: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ ليكون ذلك منبِّهًا على تلقاء النِّعمة من عنده.
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ مخاطبة للعرب على جهة تعديد النِّعمة عليهم في ذلك؛ إذ نشأ من مكانهم، وجاء بلسانهم، وبما يفهمونه من الأغراض والفصاحة، وتشرفوا به غابر الأيام على سائر الأنام.
وقرئ:(مِنْ أَنْفَسِكُمْ)(١)؛ أي: أَشْرَفِكم.
ثم ذكر ما يتبع المجانسة والمناسبة بقوله: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ﴾ أي: شديدٌ وشاقٌّ عليه عنَتُكم ولقاؤكم المكروهَ من سوء العاقبة والوقوع في العذاب.