﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً﴾: استقصارٌ منهم لمدةِ لُبثِهم في الدنيا، أو في البرزَخِ؛ لهول ما يرونَ، وفي بيانها بقولِه:
والجملةُ التشبيهيَّةُ في موقع الحالِ، أي: نحشُرُهم مشبَّهين بمن لم يلبَث إلا ساعةً، أو صفةٌ لـ (يوم)، والعائد محذوفٌ، أي: يومًا كأنْ لم يلبثُوا قبلَهُ، أو المصدَرِ محذوفٌ، أي: حشرًا كأن لم يلبثُوا قبلَهُ.
﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾: يعرِفُ بعضُهم بعضًا كأنْ لم يتعارَفُوا إلا قليلًا، وذلك أولَ ما حُشِروا، ثم ينقطِعُ التعارفُ بينهُم لشدةِ الأمرِ عليهم، فهو بيانٌ لقولِه: ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ لأنَّ طول مدةِ اللَّبثِ يوجِبُ التناكُرَ، والتعارُفُ إنما يبقى مع قلَّتها.
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾: استئنافٌ للشهادةِ من اللهِ تعالى بخُسرانهم في تجارَتهم وبيعِهم الإيمانَ بالكفرِ.
﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾؛ أي: إلى طريقِ التجارةِ (١)، وفيهِ معنى التعجُّبِ؛ كأنهُ قيلَ: ما أخسَرهُم، ووضعَ ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ موضعَ ضميرِهم إشعارًا بأنَّ سببَ الخسرانِ إنما هو تكذيبُهم لقاءَ الله تعالى، وعدمُ اهتدائهم لاستعمالِ ما أوتوا منَ المشاعر والعقولِ والبصائرِ في تحصيل المعارفِ، واكتسابهم بها عقائدَ فاسدةً، وجها لاتٍ تؤدّيهم إلى الحسابِ والهلاكِ والعذاب.
* * *
(١) "التجارة" سقط من (ك). وانظر: "روح المعاني" (١١/ ١٦٠)، وفيه: ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾؛ أي: لطرق التجارة عارفين بأحوالها، أو: ما كانوا مهتدين إلى طريق النجاة).