للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٤٦) - ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾.

﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾: نبصِّرنك ﴿بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ من العذابِ في حياتكَ، كما أراه يومَ بدرٍ ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ قبل أن نُريكَ.

﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾: فنريكَهُ في الآخرَةِ، قيلَ: فهو جوابُ ﴿نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾، وجوابُ ﴿نُرِيَنَّكَ﴾ محذوفٌ، مثل: فذاكَ.

ولا حاجةَ إلى تقديرِ الجوابِ المذكورِ؛ لأنَّ قولَه: ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ صالحٌ أن يكونَ جوابًا للشرطِ وما عطِفَ عليهِ، وعلى هذا يكونُ المعنى: فعلَى كِلَا التقديريَنِ نُعذِّبُهم في الآخرةِ، والذي نُريكَهُ في الدنيا لا يكونُ سببًا لتخفيفِ عذابِهم (١) في الآخرةِ، وهذا هو المناِسبُ للمقامِ، فلا وجه للعدولِ عنه بها، لارتكابِ المحذوف في الكلامِ.

﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾، أي: بعدَ رجوعِهم إلينا اللهُ معاقِبُهم على أفعالهم.

أو الله مؤدٍّ شهادتَهُ على أفعالهم حينَ تنطِقُ جلودُهم وألسنَتُهم وأيديهِم وأرجلُهم شاهدةً عليهم، والمرادُ من الشهادةِ: مقتضاها ونتيجَتُها؛ أي: العقابُ؛ لأن شهادةَ الذي أحاطَ علمُه بجميعِ أفعالهم السيئةِ الخفيَّةِ والظاهرةِ توجِبُ العقابَ الشديدَ لأنهُ مُحصٍ كلَّ ما نسُوهُ.

والالتفاتُ من التكلُّم إلى الغيبةِ، وإظهارُ اسم الله تعالى، وإيقاعُ ﴿ثُمَّ﴾، وإيرادُ الجملة الاسميةِ: للتنبيهِ على أن المعاقب (٢) هو اللهُ تعالى الذي لا يخفَى عليهِ ما فيهِ، وتربيةِ المهابةِ، والتهديدِ والتهويلِ بأن مضمونَ الوعيد في غايةِ


(١) في (ف) و (ك): "للتخفيف".
(٢) في (ف) و (ك): "على أنه".