للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى؛ إذ ليس نفسُهُ في يده حينئذٍ فيسلِّمَها (١)؛ لذلك وبخه بالعصيانِ المقابل للإذعانِ، دون الكفر المقابلِ للتصديقِ حيث قالَ:

(٩١) - ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾.

﴿آلْآنَ﴾؛ أي: أتؤمنُ الآن وقد أيِست مِن نفسِكَ، ولم يبقَ لك اختيارٌ.

﴿وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾: قبلَ ذلك مدَّةَ عمركَ.

﴿وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾: الضالِّين المضلِّين عن الإيمانِ.

روى الترمذيُّ عن ابن عباسٍ أنَّ النبيَّ قال: "لما أغرَقَ اللهُ فرعونَ قال: ﴿آمَنْتُ﴾ إلى قوله ﴿بَنُو إِسْرَائِيل﴾ قال جبريلُ: فلو رأيتَني يا محمدُ! وأنا آخذُ من حال البحرِ فأدسُّه في فيهِ مخافةَ أن تدرِكَه الرحمةُ" (٢).

أراد إدراكَ الرحمةِ في الدنيا كما أدرك قومَ يونُسَ فنجَوا من العذابِ؛ فليسَ فيه ما يدلُّ على كراهةِ إيمان الكافرِ والرضا بكُفرِه؛ فإن الرضا بالشيء لا يستلزِمُ الرضا بسببِه؛ ألا يرى أن المريضَ يشربُ الدواء للشفاءِ (٣) كارهًا إياهُ راضيًا بما (٤) يترتَّبُ عليهِ من منفعةِ الشِّفاءِ، فمَن وهَم أن في قوله: "مخافَة أن تدركَه الرحمةُ" جهالتين: إحداهما أن الإيمان يصحُّ بالقلبِ كإيمانِ الأخرسِ فحالُ البحرِ لا يمنعُهُ، والأُخرى أن مَن كرِهَ إيمانَ الكافرِ وأحبَّ بقاءه على الكفرِ فهو كافرٌ؛ لأن الرضا بالكفرِ كفرٌ. وزَعَمَ بناءً على ذلكَ أنه من زياداتِ الباهتِين للهِ تعالى وملائكتِه فقد وهِمَ، ثم إنهُ على تقديرِ زيادته لا بهتَ فيه لله تعالى.


(١) في (ف): "فيسلم أو".
(٢) رواه الترمذي (٣١٠٧) وقال: هذا حديث حسن، وابن حبان في "صحيحه" (٦٢١٥) بلفظ مقارب.
(٣) في (ك): "الشفي".
(٤) في (ف) و (م): "لما".