للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولقد أحسنَ مَن قال: إنَّه تعالى يملِك عباداً غيرَك كما قال: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: ٣١] وأنتَ ليس لك ربٌّ سواه، ثمَّ إنكَ تتساهل في خدمته كأنَّ لكَ ربًّا غيرُه، وهو يعتَني في تربيتكَ كأنْ ليس له عبدٌ سِواكَ، يحفظكَ بالنَّهار عن الآفاتِ بلا عِوَضٍ، ويحرسُك باللَّيل عن المخافاتِ من غيرِ غرضٍ، فما أحسنَ هذه التريبةَ!

وإطلاقُ الربِّ على غيره تعالى لا يجوزُ شرعاً، لا مُطلقاً ولا مقيَّداً (١)؛ لِمَا رواه الشيخان عن أبي هريرةَ مرفوعاً: "لا يَقلْ أحدُكم: أطْعِمْ رَبَّكَ وضِّئْ ربَّكَ اسْقِ ربَّك، ولا يَقُلْ أحدُكم: ربِّي وليَقُلْ سيِّدِي" (٢).

وأمَّا قولُ يوسفَ : ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾ [يوسف: ٥٠] و: ﴿إِنَّهُ رَبِّي﴾ [يوسف: ٢٣] فمحمولٌ على الحكاية مِن الله تعالى؛ لأنَّه كان يتكلَّم بالعِبْرِيَّة، فلا حاجةَ إلى ما قيل: إنَّه ملحَقٌ بقوله تعالى: ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ [يوسف: ١٠٠] في الاختصاص بزمانِهِ؛ بل لا وجهَ له كما لا يخفَى.

ويجوزُ لغةً ولو مطلَقاً كما وقع في شِعر الحارث بنِ حِلِّزة - من شعراء الجاهليَّة - يَمدحُ مَلِكاً:

وهو الرَّبُّ والشهيدُ على يَو … مِ الحِيَارَينِ والبَلاءُ بَلاءُ (٣)


(١) في هامش "ف" و"م": (فيه رد للزمخشري والبيضاوي. منه).
(٢) رواه البخاري (٢٥٥٢)، ومسلم (٢٢٤٩).
(٣) انظر: "شرح القصائد السبع" لابن الأنباري (ص: ٤٧٦)، و"شرح القصائد العشر" للتبريزي (ص: ٢٦٧)، و"الكشاف" (١/ ١٣٦). قال ابن الأنباري: والرب عني به المنذر بن ماء السماء، يخبر أنه قد شهدهم في هذين اليومين فعلم فيه صنيعهم وبلاءهم الذي أبلوا، وكان المنذر بن ماء السماء غزا أهل الحيارين ومعه بنو يشكر فأبلوا بلاء حسناً.