و ﴿الْعَالَمِينَ﴾: جمْعُ عالَم، وهو في لسان العرب: اسمٌ لنوعٍ من المخلوقِينَ فيه علامةٌ يمتازُ بها عن خلافه من الأنواعِ كالمَلَك والإنْسِ والجِنِّ، فتقول العربُ: عالَم البَرِّ وعالَم البَحرِ وعالَم الأرضِ وعالَم السَّماء، على ما نقله أئمةُ اللِّسان، وهو جمعٌ لا واحدَ له من لفظه كالأنام والرَّهْطِ والجيش.
وهو مأخوذٌ من العَلَم والعَلامة، فجُعل اسماً لما يُعلَم به الصانعُ، فإنَّ فاعَلاً كثيراً ما يجيءُ في اسم الآلةِ التي يُفعل بها الشيءُ كالخاتَم والقالَب والطَّابَع، فجُعل بناؤه على هذه الصيغةِ لكونه كالآلة في الدَّلالة على صانعٍ.
وأمَّا جمْعهُ فلأنَّه لو أُفرِد لربَّما يَتبادر إلى الفهم أنَّه إشارةٌ إلى هذا العالَم المُشاهَد بشهادة العُرْف، أو إلى الجنْس والحقيقة على ما هو الظاهرُ عندَ عدم العَهْدِ، فجُمع ليشملَ كلَّ جنسٍ سُمِّي بالعالَم لعدم العَهدِ.
وفي الجَمع دلالةٌ على أنَّ القصدَ إلى الإفراد دونَ نفسِ الحقيقةِ والجنسِ، وإنَّما جُمِعَ جَمعَ قِلَّةٍ والظاهرُ يستدعي الإتيانَ بجَمْع الكَثرةِ - قال وهبٌ: للهِ ثمانيةَ عشرَ ألفَ عالَمٍ، والدُّنيا عالَمٌ منها - تنْبيهاً على أنَّهم وإنْ كَثُروا قليلونَ في جَنْب عظَمتِهِ وكبريائهِ. وأمَّا جمعُه بالياء والنُّون فلِتَغليبِ العُقلاءِ منْهم.
﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ذكرَهما عَقِيْبَ الحمْدِ لذاتهِ على صفاتهِ؛ كما قال ﵇ فيما رُوي عنه:"يقول العبدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يقولُ اللهُ: حَمِدَنِي عبْدِي، ويقولُ العبدُ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، يقولُ اللهُ: أَثْنَى عَليَّ عَبْدِي"(١)، فذكرَهما في البَسْملة لاستِمالة قلوبِ العِباد على العُبوديَّة بالرَّحمة والغُفران، وفي الفاتحة للثَّناء على الله تعالى بالجَمال والجَلال للقُربَة والرِّضوانِ.