للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومَن ذهبَ إلى أن الفاءَ عاطفةٌ للتعقيبِ (١)، مستدعيةٌ سبقَ ما يعطَفُ عليهِ؛ فالتقديرُ: أمَن كان يريدُ الحياة الدنيا، فمَن كان على بينةٍ من ربهِ. والخبرُ محذوفٌ لدلالةِ الفاءِ عليه؛ أي: يَعقبونهم ويَقْربُونهم (٢)، والاستفهامُ لإنكارِ هذا التعقيبِ، فقد تكلَّفَ.

وأما مَن اختارَ التقديرَ الأول (٣)، وزعمَ أن الهمزة لإنكارِ التعقيبِ، فلم يكُن على بصيرةٍ؛ حيثُ خلَّطَ بين الوجهَين فخبَّطَ.

﴿وَيَتْلُوهُ﴾؛ أي: يَتْبعُ ذلك البرهانَ الذي يتضمَّنُ الدليل العقلي لكونه معجزًا.

﴿شَاهِدٌ﴾: هو عيسى ؛ حيثُ بشَّرَ ببعثةِ نبيِّنا ، وهذه البشارةُ منه شهادةٌ بحقيَّةِ (٤) دين الإسلامِ، والتنكيرُ للتعظيمِ، وكذا قولُه:

﴿مِنْهُ﴾؛ أي: من اللهِ تعالى.

﴿وَمِنْ قَبْلِهِ﴾؛ أي: من قبلِ ذلك الشاهدِ ﴿كِتَابُ مُوسَى﴾ يعني: التوراةَ، فإنه أيضًا يتلوهُ في التصديقِ، وقرئ: (كتابَ) بالنصب (٥) عطفًا على الضمير في ﴿وَيَتْلُوهُ﴾، والضميرُ في ﴿قَبْلِهِ﴾ للقرآن الذي عبَّرَ عنه بالبيِّنةِ، فالمعنى أن الشاهدَ المذكورَ يتبعُ الكتابينِ القرآنَ والتوراةَ.


(١) في هامش (ف): "رد لصاحب الكشاف". وانظر التعقيب الآتي.
(٢) انظر: "الكشاف" (٢/ ٣٨٤)، ولفظه: (أمَن كان يريد الحياة الدنيا فمن كان على بينة، أي: لا يعقبونهم في المنزلة ولا يقاربونهم، يريد أنَّ بين الفريقين تفاوتًا بعيدًا وتباينًا بينًا).
(٣) في هامش (ف): "القاضي ".
(٤) فى (ف): "بحقيقة".
(٥) تنسب لمحمد بن السائب الكلبي، انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٥٩).