للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للتبعيضِ؛ لأن النجاةَ إنما هي للناهينَ وحدَهم؛ لقولِه: ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ [الأعراف: ١٦٥].

ولا يجوزُ أن يكون الاستثناءُ متَّصلًا على الظاهر؛ لفسادِ المعنى؛ لأنَّه يكونُ تحضيضًا لأولي البقية على النهيِ عن الفسادِ إلا للقليلَ من الناجينَ منهم (١)، ولكن إن استثني من النفي اللازمِ للتحضيض جازَ كونُه متصلًا؛ كأنه قيلَ: ما كان من القرونِ أولو بقيةٍ ينهَون عن الفسادِ إلا قليلًا، وإن كان الأفصَحُ أن يُرفَعَ على البدلِ.

﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾: تركوا النهيَ عن المنكراتِ ﴿مَا أُتْرِفُوا﴾ ما أُنعِموا ﴿فِيهِ﴾ منَ الشهواتِ، واهتمُّوا بتحصيلِ أسبابها، وأعرَضُوا عما وراء ذلكَ.

﴿وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ كافرينَ، كأنه أرادَ أن يبينَ ما كان السببَ لاستئصالِ الأممِ السالفةِ، وهو فشوُّ الظلمِ فيهم (٢)، واتِّباعُهم للهوى مع الكفرِ.

و ﴿وَاتَّبَعَ﴾ عطفٌ على مضمرٍ دلَّ عليه الكلامُ، إذ المعنى: فلم ينهوا عن الفسادِ واتبعَ الذين ظلَموا …

﴿وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ عطفٌ على ﴿أُتْرِفُوا﴾؛ أي: اتَّبعوا ما أترِفوا فيهِ وعادتُهم التمادي في الإجرامِ، أو على ﴿اتَّبِعْ﴾، أو اعتراضٌ (٣).


(١) كما تقوله: (هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحاء منهم، تريد استثناء الصلحاء من المحضَّضين على قراءة القرآن). انظر: "الكشاف" (٢/ ٤٣٧).
(٢) في (م): "منهم".
(٣) في (م): "واعتراض"، وسقطت الجملة من (ف) و (ك)، والصواب المثبت. انظر: "الكشاف" (٢/ ٤٣٨)، و"روح المعاني" (١٢/ ١٥٩). قال الزمخشري: (ويجوز أن يكون اعتراضًا وحكمًا عليهم بأنهم قوم مجرمون). وقال الآلوسي: (وأن تكون الجملة اعتراضًا بناء على أنه قد يكون في آخر الكلام عند أهل المعاني).