ولقوَّة غَيْبَتِه - حيثُ غاب عن مَظهَري الحسِّ والعقل - عبَّر عنه بالمصدر؛ كما يقال لمَن بلغ الغايةَ في العدالة: عَدْلٌ.
ولكماله في معنى الغَيبة - حيثُ لم يُمكنِ استحضارُه لا بالبديهة ولا بالنظر - عُرِّفَ بتعريف الجنس، كأنَّ معنى الغَيبة إنما تمَّ فيه، وباقي الغائبينَ بمنزلة الشاهد نظراً إليه.
ففيه إشارةٌ إلى قوَّة تصديقهم برسول الله ﷺ، ووفورِ اعتقادِهم بنبوَّته، حيثُ صدَّقوه في أخبارٍ لا طريق إلى العلم بصِدْقها لا بالحسِّ ولا بالعقل، لا بالبديهة ولا بالكسب.
وعدمُ التعرُّض للتَّصديق بالمبدأ للتنبيه على أنَّ شأنَه تعالى أظهرُ الأمور، بحيثُ كان التصديقُ به تصديقاً بأجلى المعلومات، فلا يناسب ذكره في مقام المدح بالتَّصديق بأخفى المجهولات.
وفيه نعيٌ على الدَّهْرية على أبلغ وجهٍ.
﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾: إقامةُ الشيء: جعْلُه قائماً، والقيامُ: انتصابُ القامة، ولمَّا كانت هيئةُ الانتصاب أكملَ هيئاتِ مَن له القامةُ وأحسنَها استُعيرت الإقامةُ للتكميل والتَّحسين، ومنه: أقام الأمرَ: إذا أتمَّه، وجاء به معطًى حقوقَه.
وأيضاً لمَّا كان استعمالُ مَن له القامةُ بإقامتها، استُعيرت الإقامةُ للاستعمال أيضاً، ومنه: أقام القومُ سيوفَهم: إذا استعمَلوها ولم يُعطِّلوها.
فالمعنى على الأول: يُعدِّلون أركانها ويُكمِّلون حدودها.
وعلى الثاني: يحافظونَ عليها في مواقيتِها ولا يُعطِّلونها.
والصَّلاةُ: الأذكار المعروفةُ، والأفعالُ المشهورة، وأصلها: الدُّعاء، قال الله