تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]؛ أي: ادعُ لهم، وفيما نقلَها الشَّرع إليه اشتمالٌ على الدُّعاء.
وفائدةُ الإطنابِ بزيادة الإقامة: التنبيهُ على أنَّه لم يُرِدْ إيقاعَها فقط، ولهذا لم يأمرْ بالصَّلاة ولم يمدحْ بها إلَّا بلفظ الإقامة، نحو: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ [الإسراء: ٧٨] و ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ [النساء: ١٦٢]، ولم يقلْ: والمصلين، إلا في المنافقين حينَ قال: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: ٤، ٥].
ومنْ ثمَّة قيل: المصلُّون كثير، والمقيمونَ لها قليلٌ، كما قال [ابن] عمر ﵁: الحاجُّ قليلٌ والرَّكبُ كثيرٌ (١).
وكثيرٌ من الأفعال التي حَثَّ الله تعالى على تَوفية حقِّه ذَكَره بلفظِ الإقامة؛ نحو: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [المائدة: ٦٦]. و ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ﴾ [الرحمن: ٩].
ولمَّا كان المعنى: يَعبدون الله تعالى بكلٍّ من نوعي العِبادة البَدنيَّة والماليَّة، عقَّبه بقوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ وقدَّم ما هو الأشقُّ، وبالتقديم أحقُّ؛ لأنَّه أمُّ العبادات وعِمادُ الدِّين.
ولم يقلْ: ويؤتون الزكاة، لئلا يختصَّ المدحُ بالأغنياء.
(١) في "د" و"ف" و"م": (والراكب كثير). والمثبت موافق لما في المصادر. انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (٢/ ١٩٢)، و"الإحياء" (١/ ٢٦٣)، وما بين معكوفتين منهما. وروى عبد الرزاق في "المصنف" (٨٨٣٦) عن مجاهد قال: قال رجل عند ابن عمر: ما أكثر الحاج! فقال ابن عمر: ما أقلهم! و (٨٨٣٧) عن سعيد بن جبير قال: سمعت شريحاً العراقي يقول: الحاج قليل والركبان كثيرة.