للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحقُّ ﴿رُبَمَا﴾ أن تدخل الماضيَ لإنشاء تحقُّق (١) التَّقليل، لكن لَمَّا كان الغرضُ من الماضي تحقُّقَ وقوعه، والمترقَّبُ في إخبار الله تعالى بمنزلة (٢) الماضي في تحقُّق وقوعه، أُجرِيَ مجراه، ومعنى التَّقليل فيه واردٌ على طريق العرب وقولِهم في موقع النُّصح وارتكاب المخاطَب ما لا يُشكُّ في استتباعه للتَّندُّم: لعلَّك ستندم (٣)، وربَّما ندم الإنسان على ما فعل، وليس مرادهم الشكَّ والتَّقليل، بل المراد: أنَّ النَّدمَ لو كان مشكوكًا فيه أو قليلَ الوقوع عمَّا تفعل، لكان حقًّا عليك أن لا تفعل؛ لأنَّ قضية العقل التَّحرُّزُ من الغمِّ المظنون والقليل، فكيف واستتباعُ فعلِك للغمِّ والنَّدم الكثيرِ محقَّقٌ؟ أي: لو كانوا يَودُّون الإسلام مرَّةً واحدة فبالحَرِيِّ أن يُسَارعوا إليه، فكيف وهم يودُّونه في كلِّ ساعة؟

وقرئ: ﴿رُبَمَا﴾ بالفتح والتَّخفيف (٤)، وبتاء التَّأنيث ودونها (٥).

و (ما) كافَّةٌ تكفُّه عن العمل، فيجوز دخوله على الفعل، وقيل: نكرةٌ موصوفة، كقوله: ربما تكره النُّفوس من الأمر.

* * *

(٣) - ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾.

﴿ذَرْهُمْ﴾: اتركهم ﴿يَأْكُلُوا﴾ تخصيصُه بالذِّكْر مع اندراجه في قوله:


(١) في (ف) و (م): "محقق".
(٢) في النسخ: "منزلة"، والمثبت من "الكشاف" (٢/ ٥٦٩).
(٣) في (ك): "تستندم"، والمثبت موافق لما في المصدر السابق.
(٤) وهي قراءة عاصم ونافع. انظر: "التيسير" (ص: ١٣٥).
(٥) قرأ طلحة بن مصرف وزيد بن علي: (رُبَّتَما). انظر: "المحرر الوجيز" (٣/ ٣٤٩)، و"البحر المحيط" (١٣/ ٢٢٩).