للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ نفْسُ الشَّيءِ: ذاتُه، وهي من النَّفاسة.

يقال: خادَعَ إذا لم يبلغْ مرادَه، وخدَعَ: إذا بلَغ مرادَه، فلمَّا لم يَنفُذْ خداعُهم فيما قصدوا كان مخادعةً، ولمَّا وقعَ (١) ضررُ فعلِهم على أنفُسِهم كان في حقِّ أنفُسهم خَدْعًا (٢)؛ أي: لم يرجعْ وبالُ خداعِهم إلَّا إليهِم؛ لأنَّهم لمَّا سلَكوا مسْلَكَ الخِداع نزلوا بقدَمِ النِّفاقِ الدَّرْكَ الأسفلَ مِن النَّار (٣)، فكانتْ مفسدةُ خداعِهم راجعةً إلى أنفُسِهم.

والواو عاطفةُ الجملةِ على الجملة، وفي ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ واوُ الحال، أو بالعكس.

والشُّعور: هو الإدراكُ الحِسِّيِّ، ومشاعرُ الإنسان: حواسُّه الظاهرةُ والباطنة؛ أي: ما يُحِسُّون أنَّ ضررَ الخِداع لا يلحقُ إلَّا بهِم؛ لِتمادِي غفلتِهم، فإنَّه منْ شِدَّة ظهورِه كالمحسوس المشاهَدِ، فكأنَّه لا حِسَّ لهم أصلًا.

وليس نفْيُ الشُّعورِ هنا كنَفيهِ في قوله تعالى: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨]؛ لأنَّه لبيانِ العُذر (٤) من جهتِهم، وهذا لتعظيم الأمرِ على المنافقينَ، وأنَّهم مع جهلهِم يجهلون جهلَهم؛ كما قال:

جهلتَ ولم تعلمْ بأنَّكَ جاهلٌ … وذاكَ لَعَمري من تمَام الجهالةِ


(١) في "ك": (كان).
(٢) في "م": (خداعًا).
(٣) في هامش "م": (أي: لما قصد المنافقون أن يخدعوا بالسلوك مسلك الخداع وإن لم يصل المطلوب لعدم نفود خدعهم إلى الله ورسوله، نزلوا بقدم النفاق الدرك الأسفل من النار).
(٤) في "ح " و"ك": (بيان للعذر)، وفي "ف" و"م": (بيان العذر).