للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(١٠) - ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾.

﴿فِي قُلُوبِهِمْ﴾ آثَر حرفَ الظَّرفِ على أداة الملابَسةِ؛ ليدلَّ على الاستقرار (١) والرُّسوخ.

﴿مَرَضٌ﴾؛ أي: تردُّدٌ واضطرابٌ، استُعيرَ المرضُ للعَرَض النَّفسانيِّ، وتنكيرُه للتنويع؛ أي: نوعُ مرضٍ ليس ما يتعارفُه النَّاسُ، شبَّههم بمرضَى لاضطرابهم في الدِّين؛ لأنَّهم كانوا يُظهرونَ الموافقةَ للمؤمنينَ بالقول، ويُضمِرونَ لهم الخلافَ بالقلب، فكان حالُهم كحالِ المريض إذ هو مشرِفٌ على الموت، ويُرجى الإقبالُ منه ثانيًا.

وأمَّا سائرُ الكفَرةِ فإنَّهم لم يضطَرِبوا في الدِّين، بل أظهَروا بالقول ما أضمَروا بالقلب، فسمَّاهم اللهُ تعالى موتى، وسمَّى المؤمنينَ أحياءً؛ لأَنَّهم اطمَأنوا على الإيمان قولًا وعقيدةً.

﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ بتكرير الوحي وازديادِ التَّكاليف، ولا تجوُّزَ في الإسناد كما تَوهَّم مَن لا يرى صدورَ القبيحِ عنه تعالى، ولا يدري أنَّ القبيحَ بالنسبةِ إلى الكاسبِ لا بالنِّسبة إلى الفاعل، وأصلُ الكلامِ: فزاد اللهُ مرضَهم.

وإنَّما عدَل إلى ما في النَّظم لنكتة سَرِيةَّ، فلا دلالةَ في تنكير المرضِ الثاني على مغايرته للأوَّل حقيقةً، كيفَ وفي تصدير الكلامِ بالفاء دلالةٌ على تفريع الثاني على الأوَّل؟

﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: مؤلِمٌ؛ نحو: سميعٍ وخَصيبٍ، بمعنى: مُسْمِعٍ ومُخْصِبٍ، ذَكَره الرَّاغب (٢)، وُصفَ (٣) به العذابُ للمبالغةِ.


(١) في "ح" و"ف" و" ك": (الاستمرار).
(٢) انظر: "تفسير الراغب" (١/ ١٠٠).
(٣) في "م": (ووصف).