للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفعليِّ مع المعنى المذكورِ تقوِّي الإسنادِ؛ لتكرُّره والتخصيصِ؛ أي: هو الذي يتولَّى الاستهزاءَ بهم - خاصةً - الاستهزاءَ الأبلغَ الأقوى الذي يكونُ استهزاؤُهم بالنِّسبة إليه كلَا استهزاءٍ، ولا يُحْوجُ المؤمنينَ إلى معارضتهم.

﴿بِهِمْ﴾ ذُكِر هاهنا لعدم الدَّاعي إلى الحذف، بخلافِ ما تقدم، فإنَّ فيه باعثًا لَفظيًّا وهو المحافظةُ على الفاصلة، وداعيًا مَعنويًّا وهو تحرُّجُهم من إبلاع المؤمنينَ، وإبقاءُ اللفظِ محتمَلًا ليكونَ لهم مجالُ التَّوجيهِ عندَ الحاجةِ إليه، والمعنى: أنَّه تعالى عاملَهم في الدُّنيا على وَفقِ معامَلَتِهم، فإنَّهم أظهَروا الإيمانَ وفي باطنهم النِّفاقُ، واللهُ تعالى أظهرَ لهم في الحال الأمانَ، وعاقبتُهم الإحراقُ (١) بالنيران، وعلى هذا يكونُ الكلامُ المذكورُ من قَبيل الاستعارةِ التبعيَّةِ.

وقيل: إنَّ معناه: يُجازيهِم في الآخرة جزاءَ استهزائهم، والعربُ تُسمِّي الجزاءَ باسم الابتداءِ، قال عمرو بن كلثومٍ:

ألَا لا يَجْهلَنَّ أحدٌ علَيْنا … فنَجْهَلَ فوقَ جهْلِ الجاهِليْنا (٢)

وفي القرآن العظيمِ (٣): ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى:٤٠]. وهذا توسُّعٌ مخصوصٌ غير المشاكلةِ.

وقيل: إنَّه تعالى يجعلُ المؤمنينَ يطَّلعونَ على المنافقينَ من الجَنَّة، فيقولون لهم: أتُحبُّون أنْ تخرجوا من النَّار وتدخلونَ الجنَّةَ، فيقولون: نعَم، فيُفتح لهم بابٌ من النَّار، فيَقصِدون إليه فيُغلَق عليهم، ثمَّ يُفتحُ بابٌ آخرَ فتقصدُونه فيُغلَق،


(١) في "ف": (وعاقبهم بالإحراق)، وفي "م": (وعاقبهم الإحراق).
(٢) انظر: "شرح القصائد السبع" لابن الأنباري (ص: ٤٢٦).
(٣) (العظيم): ليست في "م" و "ك".