للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا يزالُ يُفعَل بهم كذلكَ والمؤمنونَ يضحكونَ منهم، قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ [المطففين: ٢٩]. إلى أنْ قال الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ [المطففين: ٣٤] (١). وعلى هذا يكون التجوُّزُ في إسناد الاستهزاءِ إلى الله تعالى.

﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾ مِن مَدَّ الجيشَ وأَمدَّهُ: إذا زادَه وأَلحقَ به ما يقوِّيهِ ويُكثِّرُه، لا مِن المدِّ في العُمُر فإنَّه يُعدَّى باللَّام كـ (أُمْلِي لهُم)، والحذفُ والإيصالُ خلافُ الأصلِ فلا يُصارُ إليه إلَّا بدليل، وهنا دليل على خلافه، وهو قراءةٍ: (ويُمِدُّهم) (٢).

﴿فِي طُغْيَانِهِم﴾ الطغيانُ بالضمِّ والكسْرِ: تجاوُزُ الشَّيء عن مكانه، والمرادُ: غلُوُّهم في الكفرِ وتجاوزُهم الحدَّ في العتوِّ، وإنَّما أُضيفَ إليهم (٣) لأنَّه أُريد الطُّغيانُ الذي عُرفَ لهم، واشتُهِر بصُدوره عنهم، فلا دلالةَ في إضافته إليهِم على أنَّه فعلُهم.

﴿يَعْمَهُونَ﴾ في محلِّ النَّصبِ بالحال مِن مفعول (يَمُدُّهم) أو فاعلِ (طغيانِهم).

العَمَه في البَصيرة، والعَمى في البصر، وهو التحيُّر والتَّردُّد، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ [النمل: ٤].


(١) رواه بنحوه البيهقي في "الأسماء والصفات" (١٠١٨) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس . والكلبي متروك، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس.
(٢) انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٢)، وعزاها لابن محيصن. ومحل الشاهد أن (يمدهم) بضم الياء من المزيد لم يسمع في مد العمر. انظر: "روح المعاني" (١/ ٤٥١).
(٣) في "ف": (لهم).