للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(١٨) - ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾.

﴿صُمٌّ﴾ جمعُ الأصمِّ (١)، النَّعتُ من الصَّمَم، وهو انسدادُ خرُوقِ المَسامعِ، ومنه: القناةُ الصماءُ التي ليستْ بمجوَّفة، وكذا كلُّ فعلٍ كان نعْتًا مما هو خلقةٌ فجمعه: الفُعْلُ، ومثلُه: البُكْم والعُمْيُ، وإنْ كان اسمًا فعلى الأَفاعِل يُجمع؛ كالأرنب والأرانِبِ، والأعجم والأعاجِم، وإنْ كان نعْتًا لِمَا هو آفَةٌ فعلى الفَعْلى؛ كالأعجَف والعَجْفى، والأحْمَق والحَمْقى.

﴿بُكْمٌ﴾ من البَكَم: وهو الخرَسُ، وهو آفَةٌ في اللِّسان لا يَتمكَّنُ معها أنْ يعتمدَ مواضعَ الحروفِ.

﴿عُمْيٌ﴾ من العَمَى، الأعمى في العيْن وجمعُه: العُمْيُ، ومن القلب: العَمِي، وجمعُه: العَمُونَ، قال الله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [النمل: ٦٦].

لمَّا سَدُّوا مسامعَهم عن الإصاخَة إلى الحقِّ، وأبَوا أنْ يُنْطِقوا به ألسنتَهم، ويُبْصِروا الآياتِ بأبصارِهم، جُعلوا كأنَّما فُقِدت مشاعرُهم، ولم توجدْ قُواهم.

وإيرادُ هذه الصِّفاتِ مع سلامةِ حَواسِّهم تشبيهٌ بليغٌ؛ إذْ شرْطُ الاستعارةِ الإعراضُ عن المستعارِ له صَفْحًا ونسْيانُه مُطلَقًا، وهاهنا وإنْ حُذِفَ المبتدأُ الذي هو ضميرُ المنافقينَ لكنَّه في حُكمِ المقدَّر المنْويِّ؛ لاستنادِ الخبرِ إليه، ونظيرُه قولُه:

صُمٌّ إذا سمِعوا خيْرًا ذُكرْتُ بهِ … وإنْ (٢) ذُكِرتُ بسُوءٍ عندَهم أَذِنوا (٣)


(١) في "م": (لأصم).
(٢)) (وإن) ليست في "ك"و"ف".
(٣) البيت لقعنب بن أم صاحب كما في "عيون الأخبار" لابن قتيبة (٣/ ٩٦)، و"الصحاح" (مادة: أذن)، ودون نسبة في "الكشاف" (١/ ٧٦).