للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنْ ضمِّنَ (تَرَك) معنى: صيَّر، يكونُ ثاني المفعولَينِ (في ظلمات)، و (لا يبصرون) حال، ولا يجوزُ العكسُ؛ لأنَّ الخبرَ لا يكونُ مؤكِّدًا. وقولُ الشَّاعر:

فتَركْتُه جَزَرَ السِّباعِ يَنُشْنَهُ (١)

يَحتمِلُ الوجهينِ لأنَّ (جَزرَ السِّباع) وإنْ كانَ معرفةً يَحتمِلُ الحالَ، كما أنَّ (يسبُّني) في قوله:

ولقدْ أَمُرُّ على اللَّئيمِ يَسُبُّنِي (٢)

يحتملُ الصِّفةَ وإنْ كانَ (اللَّئيم) معرفةً.

والظُّلمة مأخوذة من ظلَمَه: إذا منَعَ حقَّهُ؛ لأَنها تَمنعُ البصرَ من النُّفوذِ وتسدُّه. وظلماتُهم: ظلمةُ الجهلِ، وظلمةُ الكفْرِ، وظلمةُ النِّفاقِ.

وقيل: يجوزُ أنْ يُرادَ بالنَّار: نارٌ مجازَّيةٌ كنارِ فتنةٍ أو حربٍ، وليس بقويٍّ؛ لأنَّ الغرضَ من التمثيل إبرازُ المعقولِ في صورة المحسوسِ ليكونَ مُشاهدًا، وعلى هذا التقديرِ يفوتُ الغرضُ منه.

وفي الآيةِ دلالةٌ على أنَّ وجودَ النُّورِ شرْطٌ لرُؤية الألوانِ لا لوجودِها، إذ حينئذٍ يَمتنعُ الإبصارُ فلا يخرجُ قولُه: (لا يبصرون) مخرجَه.


(١) صدر بيت لعنترة من معلقته، وهو في "الكشاف" (١/ ٧٤)، وعجزه كما في "شرح القصائد السبع" لابن الأنباري (ص: ٣٤٧):
ما بينَ قُلَّةِ رأَسِه والمِعْصمِ
(٢) صدر بيت لشمر بن عمر الحنفي، وعجزه كما في "الأصمعيات" (ص: ١٢٦):
فمضيتُ ثُمَّتَ قلتُ لا يعنيني