للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بل تشبَّهُ هيئةٌ حاصلةٌ من أشياءَ تضامَّتْ وتآلَفَت (١) وصارت شيئًا واحدًا بأخرى مثلِها مِن غيرِ مراعاةِ أفرادِهما، والنَّظرُ إلى تشبيه شيءٍ من هذه بشيءٍ من تلكَ، فإنَّ الغرضَ تشبيهُ حالِ المنافقينَ في حيرتِهم، وما خبَطوا فيه من الضَّلالة وشدَّةِ الأمرِ عليهم، وخِزيهم وافتضاحِهم، بحالِ مَن يُكابد شدَّةَ أمرهِ عند انطفاءِ نارهِ بعدَ إيقادها ورجاءِ الانتفاعِ بها والتَهدِّي بإضاءتها، أو بحالِ مَن أخذتهُ السماءُ في ليلةٍ مظلمةٍ مع رعدٍ وبرقٍ وخوفٍ من الصواعق والموتِ.

(٢١) - ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ التفَتَ من الغَيبة إلى الخطاب؛ لأنَّ الكلامَ السَّابق كان في تعداد فِرَقِ المكلَّفينَ، وحكاياتِ أحوالِهم وبيانِ مآلِهم، ويناسبُه أسلوبُ الغَيبةِ، وأمَّا هذه الآيةُ فمُصدَّرةٌ بأمرٍ وتكليفٍ، وحقُّ الأوامرِ والنَّواهي أن يُسلكَ فيها مَسْلكَ الخطاب، خصوصًا إنْ كان ما كُلِّف به مما فيه مشقَّةٌ، فإنَّ فيه جَبرًا لتلك الكلفةِ بلذة المخاطبةِ.

والنِّداءُ: إحضار الغائب، وتنبيهُ الحاضر، وتوجيهُ المُعرِض، وتفريغُ المشغول، وتهييجُ الفارغ.

و (يا) حرْفٌ وُضِعَ في أصله (٢) لنداء البَعيدِ، واستعمالهُ هاهنا في نداء القريبِ لبُعدهِ عمَّا خوطِبَ به معنىً، وقد يُستعمل لنداءِ القريبِ الفَطِنِ للدلالة على أنَّ الخِطابَ المذكورَ بعدَه معنيٌّ به جدًا.


(١) في "م": (وتلاقت).
(٢) في "ف": (ويا حرف في أصله وضع).