للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ﴾ التاء عوض من ياء الإضافة، ولذلك لا يقال: يا أبتي، ويقال: يا أبتا، وإنما يذكر للاستعطاف، ولذلك كرَّرها.

﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ﴾ المفعول فيهما منسيٌّ غيرُ منويٍّ.

﴿وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ يحتمل أن يكون (شيئًا) في موضع المصدر؛ أي: شيئًا من الإغناء، وأن يكون مفعولًا به، من قولك: أَغْنِ عنِّي وجهَك، أي: بَعِّد.

دعاهُ إلى الهدى وبيَّن ضلاله، واحتجَّ عليه أبلغَ احتجاج وأرشقَه (١) برفقٍ وحسنِ أدب، حيث لم يصرِّح بضلاله، بل طلب العلَّة التي تدعوه إلى عبادة ما يستخفُّ به العقلُ الصريح، ويأبى الركون إليه فضلًا عن عبادته التي هي غاية التعظيم، ولا تحقُّ إلَّا لمن له الاستغناءُ التامُّ والإنعام العام.

ونبَّه على أن العاقل ينبغي أن يفعل ما يفعله لغرضٍ صحيح، والشيء لو كان حيًّا مميِّزًا سميعًا بصيرًا مقتدرًا على النفع والضرر، ولكن ممكِنٌ (٢)، لاستنكف العقلُ القويم عن عبادته وإن كان أشرف الخلق؛ لِمَا يراه مثله في الحاجة والانقياد للقدرة الواجبة، فكيف إذا كان جمادًا لا يسمع ولا يبصر؟!

ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه الحقَّ القويم والصراط المستقيم لمَّا لم يكن محظوظًا (٣) من العلم الإلهي، مستقلًّا بالنظر السويِّ، فقال:

(٤٣) - ﴿يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾.

﴿يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ ولم يُسمِّ أباه


(١) وأرشقه بالشين المعجمة والقاف بمعنى: ألطفه. انظر: "حاشية الشهاب" (٦/ ١٦٠).
(٢) أي: ولكن كان هذا الشيء ممكنًا. انظر: "تفسير البيضاوي" (٤/ ١١).
(٣) في (م): "محفوظا"، والمثبت من باقي النسخ، وهو الموافق لما في "تفسير البيضاوي" (٤/ ١٢).