للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالجهل المفرط، ولا نفسَه بالعلم الفائق، بل جعل نفسَه كرفيقٍ له في مسيرٍ (١) يكون أعرفَ بالطريق، ثم ثبطه (٢) عمَّا كان عليه بأنه مع خلوِّه عن النفع مستلزم للضُّرِّ؛ لأنَّه في الحقيقة عبادة الشيطان من حيث إنه الآمر به، فقال:

(٤٤) - ﴿يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾.

﴿يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾ استهجن ذلك، وبيَّن وجه الضُّرِّ فيه بأن الشيطان مستعصٍ على ربِّك المولي للنِّعم كلِّها بقوله:

﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ ومعلوم أن المطاوع للعاصي عاصٍ، وكلّ عاصٍ حقيق بأن تُستردَّ منه النِّعم ويُنتقم منه، ولذلك عقَّبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجرُّه إليه فقال:

(٤٥) - ﴿يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾.

﴿يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ قرينًا في جهنم؛ لأن الوليَّين لا يكادان يفترقان في محبوبٍ أو مكروهٍ، فجعله وليًّا في هذه الحالة لما قلنا (٣)، وإن كانا متباغضين يومئذٍ، كما قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧].

وإنما قال: ﴿يَمَسَّكَ﴾ دون: يصيبك، ليعلم أن العذاب جسمانيٌّ، والتنكير فيه للتعظيم، وقصدُ التقليل من عبارة المسِّ لا يناسب المقام (٤)، فلا يساعده الكلام:


(١) في النسخ عدا (س): "مسير"، والمثبت من (س)، وهو الموافق لما في المصدر السابق.
(٢) في النسخ عدا (س): "ثم تبصرا"، والمثبت من (س)، وهو الموافق لما في المصدر السابق.
(٣) في هامش (س) و (ف) و (م): "فيه ردٌّ للقاضي في قوله: أو ثابتًا في موالاته. منه ".
(٤) في هامش (س) و (ف) و (م): "فيه ردٌّ، كأنه نسي ما قدَّمه في تفسير قوله تعالى: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾ الآية من سورة البقرة".