للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أما الأول: فلأنَّ المقام مقام التخويف فلا يناسبه التخفيف.

وأما الثاني: فلأنَّ المسَّ ممَّا يقصد به المبالغة في الإصابة، كما في قوله تعالى: ﴿أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ﴾ [الحجر: ٥٤] وذلك لأن المسَّ اتصال الشيء بالبشرة بحيث يباشر (١) الحاسَّة.

وإنما قال: ﴿مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ لأن العذاب من مظنَّة الرحمة أفظعُ وأشنع، وإنما قال: ﴿أَخَافُ﴾ رعايةً لمقتضى شفقة النبوَّة.

* * *

(٤٦) - ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾.

﴿قَالَ أَرَاغِبٌ﴾ الرغبة: اجتلابُ الشيء لما فيه من المنفعة، وتعديتُه بـ (في)، وإذا تعدَّى بـ (عن) يفيد ضدَّه.

﴿أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ﴾ قابَل استعطافه ولطفه في الإرشاد بالفظاظة وغلظة العناد، فناداه باسمه، ولم يقابل: ﴿يَاأَبَتِ﴾ بـ: (يا بنيَّ) (٢)، ولا تأثير فيه لتأخيره، بل لو قدِّم لكان أشنع وأوقع؛ لأن المقام مقام العنف دون اللطف.

وقدَّم الخبر على المبتدأ لأنَّه كان أهمَّ عنده، وصدَّره بالهمزة لإنكار نفس الرغبة على ضربٍ من التعجُّب، كأنها ممَّا لا يَرغب عنها عاقل.

ثم هدَّده فقال: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ﴾ عن مقالتك فيها ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾: لأقتلنَّك بالرُّجام (٣)، أو: لأضربنَّك بها حتى تتباعد، أو: لأشتمنَّك.


(١) في (ف) و (م): "يتأثر"، و في (ك): "تناثر".
(٢) في (ك): "بني".
(٣) في هامش (م): "أي: حجارة عظام".