للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: النار مجازٌ عن العناد، وهذا (١) أشدُّ تهويلًا؛ لِمَا فيه من إبراز العناد في صورة النار بخلافِ الأولِ، فإنَّ النار حينئذٍ على حقيقتِها، والتهويلُ إنما جاء من إنابةِ اتِّقاءِ النار مَنابَ ترك العناد.

ثم إنَّ الأمر بالاتِّقاء أبلغُ من الأمر بالترك في النَّهي عن ملابَسة العناد.

وتعريفُها بناء على أنَّ تلك النارَ كانت معلومةً للمخاطَبين بسماعهم من النبيِّ بالذات أو بواسطةِ المؤمنين، وأيضًا هذه الآيةُ مدنيَّةٌ، فنزولُها بعدَ نزولِ قوله تعالى: ﴿نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: ٦] لأنَّها مكيةٌ، فصحَّ تعريفها لكونها معروفةً قبل ذلك؛ ضرورةَ أن المكيَّات لنزولها (٢) قبل الهجرة متقدِّمةٌ على المدنيات النازلةِ بعدها.

ولتفظيعِ شأن العناد هوَّلَ (٣) وصفَ النار بقوله: ﴿الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، وكونُ الصلة معلومةً إنما اشتُرط في غير مقام التفخيم والتهويل، ألَا يُرى إلى قوله تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم: ١٠]؟

والوَقود - بالفتح - ما يوقَدُ به النار، وبالضَّم: التهابُها، فهو مصدرٌ والأولُ اسمٌ، وقد جاء في المصدر بالفتح والاسمِ بالضمِّ، وقُرئ بهما (٤).

والظاهرُ المناسبُ لبلاغة القرآن: أن يكون المراد به المصدرَ على أنَّ المجازَ


(١) في "ف": (وهو).
(٢) في هامش "م": (فيه تنبيه أن المكي ما نزل قبل الهجرة لا ما نزل بمكة كما يفهم من كلام الكشاف وكلام القاضي).
(٣) في "ح" و"ف": (بقول)، وفي "م": (وهو)، وفي "ك": (بهول)، والمثبت من "د".
(٤) هي بفتح الواو قراءة الجمهور، أما القراءة بالضم فتنسب لعيسى بن عمر وغيره. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" لابن خالويه (ص: ٤)، و"المحتسب" لابن جني (١/ ٦٣).