للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الصالحة نحوُ الحسنة في جَرْيها مَجرى الاسم، وهي ما ورد به الأمر إيجابًا أو ندبًا من الأعمال، وتأنيثُها على تأويل الخصلة، والتَّعريفُ للجنس، لكن لم يُرَد بالصالحات جنسُ الجمع، بل جميعُ الجنس باعتبار التوزيع، واللازمُ منه أن يَعمل كلُّ مكلَّف ما يَختصُّ به من مَواجِب التكليف؛ كما في: لَبِس القوم ثيابهم، ودخلوا مساجدهم، لا أنْ يَعمل كلُّ واحد منهم عملًا واحدًا منها كيف ما كان.

وفي مقارنةِ الإيمان والعمل الصالح في القرآن إيذانٌ بأنهما كالمتلازِمَين في توقُّف مجموع النَّجاة والثواب عليهما، وهذا لا ينافي لكون الإيمان المجرَّد عن العمل الصالح منجيًا.

ثم إنَّ (بشَّر) يتعدَّى إلى مفعولٍ بنفسه وإلى آخَرَ بحرف الجر، وهو قوله:

﴿أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ﴾ وحُذف منه الحرفُ، وهو في موضع نصبٍ على مذهبِ الخليل (١)، لا في موضعِ جرٍّ، خلافًا لمن قال: مذهبُه أنه في موضع جرٍّ (٢)، وهو ابنُ مالكٍ، قاله في "التسهيل" (٣)، وهو قليلُ الإلمام بكتابِ سيبويه.

واللامُ للاختصاص، إلا أنَّ التَّخصيص بفضلِ الله تعالى لا بالاستحقاقِ الذَّاتيِّ، والمختصُّ بهم منازلُ عاليةٌ من دارِ الثَّواب لا الدارُ نفسُها حتى يُشْكِلَ بالنُّصوص الدالَّة على عدم اشتراطِ العملِ في الدخول بها، ولذلك قال: ﴿جَنَّاتٍ﴾ دون: الجنة؛ فإنها عَلَمٌ لتلك الدَّارِ.


(١) ذكره عنه سيبويه في "الكتاب" (٣/ ١٢٧)، لكن سيبويه قوَّى القول بالجر أيضًا.
(٢) في هامش "د": (كذا قال أبو حيان).
(٣) انظر: "شرح التسهيل" (٢/ ١٥٠)، وتابعه في نسبة القول بالجر للخليل أبو حيان في "البحر" (١/ ٣٠٨).