للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحملُ الجنَّات على الجِنَانِ الثمانيةِ لا يلائمُه مقابلةُ الجمعِ بالجمع؛ لأنَّ مقتضاها الانقسامُ والتوزيع، وقد رُوعيَ (١) ذلك في قَرِينتها السَّابقة، ولا مجالَ لرعايتها هاهنا لعَدَم العهد في توزيعها.

ثم إنَّ ذلك الاختصاصَ مشروطٌ بسلامةِ العاقبةِ؛ لأنَّ الاعتبار للخاتمة على ما أَفصح عنه قولُه تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [البقرة: ٢١٧]، وأمَّا الاستمرار على الإيمانِ المقارنِ (٢) بالعمل الصالح فليس بشرط.

والجَنَّة في الأصلِ: المرَّةُ من الجَنِّ، وهو مصدر جَنَّه: إذا ستره، ومدارُ التركيب على ذلك، سمِّي به الشجر المظلِّل لالتفاف أغصانه وسترِ ما تحته، ثم البُستانُ لِمَا فيه من الأشجار المتكاثفةِ المُظلَّة، ثم دارُ الثواب لِمَا فيها من الجِنَان.

والمراد هاهنا: الغرفُ، وهي المواضع العالية والمنازلُ الرَّفيعة من بساتين الجَنة، على ما أَفصح عن ذلك في قولُه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [العنكبوت: ٥٨] فإنَّ القرآن يفسِّر بعضُه بعضًا.

وتنكيرُ الجنات للتعظيم؛ أي: جنَّاتٍ أيَّ جنَّاتٍ (٣) لا يُكتَنه وصفُها، ثم أكَّده بالأوصاف الغريبة (٤).


(١) في النسخ عدا "د": (روي)، والمثبت من "د".
(٢) في "د": (القارن).
(٣) (أي جنات): من "م" و"ك".
(٤) في "ح" و"ف" و"م": (القريبة).