للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي قراءة: ﴿يَسْمَعُ﴾ المبني للفاعل التفاتٌ وتنويهٌ بذكر الرسول وتعظيمٌ له.

وإنَّما سمَّاهم الضُمَّ ووضعه موضع ضميرهم للدِّلالة على فرط تصامِّهم، وعدمِ انتفاعهم بالأسماع (١)، وإنْ جعلنا اللَّام للجنس كان أبلغَ؛ لِمَا فيه من معنى البرهان بالتَّعميم، ونوع من الكناية، وهو أبلغ مِن التَّصريح.

﴿إِذَا مَا يُنْذَرُونَ﴾ منصوب بـ ﴿يَسْمَعُ﴾ لا بـ ﴿الدُّعَاءَ﴾ لأنَّه مصدر، فلا يعمل إلَّا منوَّناً.

والتَّقييد به لكون الكلام في الإنذار، وللمبالغة في أنَّهم لا يتأثرون به وقت الإنذار، فضلاً عن أن يسمعوه ثم يَذهلوا عنه، ولكونه كالقرينة في الكناية، كأنَّه أمره بقوله: ﴿إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ﴾، ثمَّ قال: ولا يؤثر فيكم، فأنتم صمٌّ، ولا يسمَعُ هذا الجنسُ الدُّعاءَ.

* * *

(٤٦) - ﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.

﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ﴾ أصل النَّفْحِ: هبوب رائحة الشَّيء، ويستعمل في كلِّ قلَّة، يُقال: نفحَتْهُ (٢) الدَّابةُ: إذا رمحتْه رَمحاً يسيراً، ونفحه بعطيَّة: إذا رضخه (٣)، ففيه مبالغة من جهة مادَّته الدَّالة على معنى النَّزارة، ومن جهة صيغته؛ أي: بناءِ المَرَّة، فإنَّها لأقلِّ ما ينطلق عليه الاسم، ومن جهة تنكيره الدَّال على التَّقليل.


(١) في (ف): "بأسماعهم".
(٢) في (ف): "نفحت".
(٣) رضخَ له: أعطاه قليلاً. انظر: "مختار الصحاح" (مادة: رضخ).