للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنَّه به الاستقرارُ، ثم بالمشرب والمطعم لأن بهما قوامَ الجسم، وقدَّم المشرب لِمَا فيه من تشريف المسكن، ثم بالأزواج لأنَّ بها تمامَ اللذة والأُنس.

ولمَّا ذكر مجامعَ اللذةِ وذلك يَنقُصُ (١) بخوفِ الزوال، فنَفَاه بقوله:

﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ الخلد: البقاء الدائم الذي لا يَنقطِع؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْن مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] وتقييدُه بالتأبيد بقوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء: ٥٧] يقطعُ التجوُّزَ، فإنَّ استعماله في الثبات المديدِ وإن لم يَدُمْ متعارَفٌ شائع (٢).

(٢٦) - ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾.

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً﴾ لمَّا بيَّن التَّوحيدَ، وأَثبت صحَّة النبوَّة بالبرهان، وهداهم أساس الدِّين وأصلَ الإيمان، وأرشدهم إلى معرفة حقيقةِ القُرآن، وأفحمَهم بالتحدِّي، ورتَّب الوعيدَ على الكفر به والوعدَ على الإيمان، شَرَع في إبطال الاعتراضات والشُّبهات التي طَعن لها الجاحدون الجهَلةُ:

كقولهم: إن الله أجلُّ قَدْرًا وأعظمُ شأنًا من أن يمثِّل بهذه المحقَّرات كالذُّباب والعنكبوت.

وقولهِم: أمَا يستحي ربُّ محمد؟


(١) في "ف": (ينتقص)، وفي "د": (ينفضّ).
(٢) في هامش "د": (رد للقاضي).