للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٨٧) - ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

﴿وَذَا النُّونِ﴾: وصاحبَ الحوت يونسَ ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾ لقومِه؛ لكثرة ما قاسى في دعوتهم، وشدَّةِ سآمته لطول ما ذكَّرهم فلم يذَّكَّروا، فهاجر عنهم، أو: أغضبهم بمهاجرته لخوفِهم لحوق العذاب بهم، وكان عليه أن ينتظر الإذن، فلم يصبر، وظنَّ أنَّ المهاجرة أولى لكونها للغضب لله ودينه، والبغضِ للكفر وأهله، فابتليَ ببطن الحوت، وهو بناء المغالبة للمبالغة (١)؛ لأنَّ المغالب يُنفذ وسعه في الفعل.

أو بمعنى: مُغْضَباً، وقد قرئ به (٢).

﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ من القَدْر وهو التَّضييق، لا من القدرة، ويعضده أنَّه قرئ مثقَّلاً (٣)، ويجوز أن يكون ﴿نَقْدِرَ﴾ مخفَّفاً من القدرة، بمعنى: أنْ لن نُعمل قدرتنا فيه.

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ أي: في الظُّلمة الشَّديدة المتكاثفة في بطن الحوت.


(١) قوله: "وهو من بناء المغالبة"؛ أي: المفاعلة، واختاره (أي: البيضاوي) لمجانسته المبالغة، ولأنّ التفاعل يكون بين اثنين يَجهد كل منهما في غلبة الآخر، فيقتضي بذل المقدور والتناهي، فاستعمل في لازمه للمبالغة دون قصد مفاعلة. انظر: "حاشية الشهاب" (٦/ ٢٦٩).
(٢) نسبت لأبي شرف. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٩٢)، و"الكشاف" (٣/ ١٣١).
(٣) نسبت لابن أبي ليلى وأبي شرف والكلبي ويعقوب. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٩٢). وقراءة يعقوب المشهورة عنه: ﴿يُقدَر﴾ بالياء مضمومة وفتح الدال. انظر: "النشر" (٢/ ٣٢٤).