للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أن العهد حبلٌ (١) في ثبات الوصلة بين المتعاهدين، وعلى هذا لا يَلزم أن يكون النقضُ مستعمَلًا في معنى الإبطالِ منقولًا عن معناه الأصلي (٢)، كما أن استعارة الأسد للشجاع واستعارةَ البحر للعالِم بطريق الكناية (٣) لا يلزمها (٤) خروج الافتراس والاغتراف عن معناهما الأصليين، بل نقول: مقتضى تلك الاستعارةِ أن يكون ما به الكنايةُ قارًّا في معناه الأصلي حتى يكون من خواصِّ المستعارِ منه حقيقةً.

والعهد: المَوْثِقُ، ولهذا قال في الوصية: عهد الله في كذا، إذا وصَّاه به ووثَّقه عليه، ووضْعُه لِمَا (٥) يُحفظ وُيراعى ويُتعهد كالوصية والشرط واليمين، ويقال للدار التي تراعَى والتاريخِ الذي يُحفظ: عهد.

وهذا العهدُ: إمَّا العهدُ المأخوذ بالفعل، وهو الحجَّة القائمة على عباده الدالَّةُ على جميع تصديقه في الإيمان، وعلى هذا أُوِّل قوله تعالى: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] أو المأخوذ بالرسل على الأمم بأنهم إذا بُعث إليهم رسول الله المصدَّق بالمعجزات صدَّقوه واتَّبعوه، ولا تكتموا أمره، ولم يخالفوا حُكمه، وإليه (٦) أشار بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ١٨٧].


(١) في "ح" و"ف" و"م": (حبال)، والمثبت من "د" و"ك"، وهو الموافق لما في المصادر. انظر: "الكشاف" (١/ ١١٩)، و"تفسير البيضاوي" (١/ ٦٤)، و"روح المعاني" (٢/ ٧٠).
(٢) في هامش "د" و"م": "فمن قال استعارة النقض للإبطال إنما جازت بعد استعارة الحبل للعهد لم يصب. منه". وكتب فوقها في "د": (سعد الدين).
(٣) في نحو قولك: عالم يغترف منه الناس، وشجاع يفترس أقرانه. انظر: "روح المعاني" (٢/ ٧٠).
(٤) في النسخ عدا "د": (يلزم)، والمثبت من "د".
(٥) في النسخ عدا "د": (ووصفه بما)، والمثبت من "د".
(٦) في (م): "وإلى ذلك".