للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً﴾ نكَّر ﴿شَهَادَةً﴾ في موضع النفي فتعمُّ كلَّ شهادةٍ، وردُّ شهادته ليس لأنَّه مفترٍ (١)، وإلَّا لَمَا تخلَّف عنه في قذف غيرِ المحصَن، بل لأنَّه من تمام الحدِّ فيتعلَّق باستيفاء الحدِّ أو بعضه، خلافًا للشافعي فيهما (٢).

لا يقال: حاله قبل الحدِّ أسوءُ ممَّا بعده؛ لأنَّه إن أريد أنه كذلك عند الناس فممنوع، وإن أريد أنه كذلك عند الله تعالى فلا يُجدي؛ لأن المعتبرَ في هذا الباب ما عند الناس، حتى قيل: تعتبر شهادة الفاسق الوجيه.

وأصل الكلام: ولا تَقبلوا شهادتهم، وإنَّما غيِّر النظم بزيادة اللام لا لفائدة التنكير؛ لأنَّها تحصل بالتعريف الاستغراقي على وجهٍ أقوى، بل لإظهارِ وجه كون الرَّدّ المذكور من الحدِّ بإشعار أن في قبول الشهادة نفعًا للشاهد؛ لأنَّه يتضمَّن الإكرام، وضدُّه ويتضمَّن الإهانة.

﴿أَبَدًا﴾؛ أي: إلى آخرِ أوقاتِ أهليَّتهم للشهادة لا إلى آخرِ عمره، ولذلك تُقبَل شهادة الكافر المحدود في قذفٍ بعد إسلامه؛ لحدوث أهليةٍ أخرى للشهادة بالإسلام، ولا خلاف للشافعي هنا، وإنَّما خلافه في انصراف الاستثناء الآتي ذكرُه.

﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ كلامٌ مستأنَف غيرُ داخلٍ في حيِّز جزاء الشرط؛ لأنَّه حكاية حالِ الرامين عند الشرع الحاكم بالظاهر، لا عند اللّهِ العالِم بالسرائر بعد انقضاء الجملة الشرطية (٣)، وقولُه:


(١) في (ف) و (ك) و (م): "لأنَّه ليس مفتر".
(٢) قوله: "فيتعلَّق باستيفاء الحدِّ أو بعضه، خلافًا للشافعي فيهما". وقع في (ع) بعد قوله: "فتعم كل شهادة". وانظر: "تفسير النسفي" (٢/ ٤٨٩).
(٣) في هامش (ع) و (ف) و (م) و (ي): "ردّ لصاحب الكشاف، والعجب أنه بعد ما قال: سبب عقوبته محتمل للصدق إلا أنه عوقب صيانة للأعراض، كيف قال: إن حكاية حال الرامين عند الله. منه".