﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ لا قدومَ ولا ما يُشبه القدومَ، ولكن مُثِّلت حالُ هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم - من صلةِ رحمٍ وإغاثةِ ملهوفٍ، وقِرَى ضيفٍ، ونحوِ ذلك - بحالِ مَن خالَفَ سلطانَه وعَصاهُ، فقدِم إلى أسبابه وما تحت يديه فأفسدها ومزَّقها كلَّ ممزَّقٍ، ولم يترك لها أثراً.
وعلى هذا يكون الكلامُ المذكورُ تمثيلاً على سبيل الاستعارة، لا الاستعارة (١) في مفرداته، بخلافِ ما إذا كان المعنى: وعَمدنا إلى ما عملوا في كفرهم من المكارم فأَحبطناهُ، فإنه حينئذٍ تكون الاستعارة في المفردات لا في الكلام.
والهباء: الشيءُ المنبثُّ الذي تراهُ في البيت من ضوء الشمس، والهباء أيضًا دُقاقُ التراب، ويقال له إذا ارتفع، و ﴿مَنْثُورًا﴾ صفته، وليس فيه تشبيهٌ على تقدير التمثيل.
وأمَّا على المعنى الثاني فقد شبَّه به عملَهم المُحبَط في حقارته وعدمِ نفعه ثَمَّ بالمنثور منه في انتشاره؛ بحيث لا يَقبل الاجتماع ولا يقع به الانتفاع.