﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ﴾ فيُجدي لهم الآياتُ أو الحِجَجُ فتهتمَّ بشأنهم وتطمعَ في إيمانهم.
﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ (أم) منقطعة، معناه: بل أَتحسب، كأنَّ هذه المذمَّة أشدُّ من التي تقدَّمتْها حتى حُقَّت بالإضراب عنها إليها، وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول؛ لأنَّهم لا يُلقُون إلى استماع الحقِّ أُذُناً، ولا إلى تدبُّره (١) عقلاً، ومشبَّهين بالأنعام التي هي مَثَلٌ في الغفلة والضلالة، فقد رَكِبهم الشيطانُ بالاستزلال لتركهم الاستدلال.
ثم هم أَرجحُ ضلالةً منها؛ لأنَّ الأنعامَ تُسبِّح ربَّها وتسجد له، وتطيع مَن يَعلفها، وتعرف مَن يُحسِن إليها ممَّن يُسِيءُ إليها، وتطلب ما ينفعها وتجتنبُ ما يضرُّها، وتهتدي لمراعيها ومشاربها، وهؤلاء لا ينقادونَ لربِّهم ولا يَعرفون إحسانه إليهم مِن إساءةِ الشيطان الذي هو عدوُّهم، ولا يطلبون الثوابَ الذي هو أعظمُ المنافع ولا يتَّقون العقاب الذي هو أشدُّ المضارِّ، ولا يهتدون للحقِّ الذي هو المَشْرع الهنيُّ والعَذْب الرَّويُّ.
وإنَّما ذكر الأكثر؛ لأنَّ فيهم مَن لم يصدَّه عن الإسلام إلَّا حبُّ الرئاسة، وكفى به داءً عضالاً، ولأنَّ فيهم مَن آمَنَ.